لا تزال بلدة عرسال تفتح أبوابها أمام النازحين السوريين الجدد، لا سيما من بلدة يبرود في جبال القلمون السورية مع إشتداد وتيرة المعارك هناك، على الرغم من ضعف الإمكانيات التي بدأت تنعكس على أوضاع النازحين الإنسانية من جهة وأهالي القرية الإجتماعية والإقتصادية، لكن المفارقة في المرحلة الحالية هو حرص بعض المسؤولين في بلدية عرسال على عدم طرح الأسئلة حول أجواء المعارك في الداخل السوري على النازحين لأسباب غير معروفة.
الدخول إلى بلدة عرسال ليس بالأمر الصعب وهو متاحٌ لأي كان، لكن مع عدم امكانية حرية التنقل بشكل واسع بين النازحين السوريين من أجل الإطلاع على أوضاعهم، إذ سيكون إلى جانب أي شخص داخل اليها عدد من أبناء البلدة الراغبين بالإطلاع على أي تفصيل يخرج من ألسنة النازحين، ولا يتردد بعضهم في السؤال عن أسباب طرح الأسئلة المتعلقة بالأمور العسكرية، حيث يرون أنّ من المفترض استطلاع أوضاع النازحين الإنسانية فقط لا أكثر، وهم لا يترددون في توجيه النازحين إلى ما هو واجب قوله في معظم الأحيان.
أوضاع إنسانية صعبة
يكشف أحد النازحين الجدد من يبرود أنّ أعدادهم تتزايد بشكل يومي، ويشير إلى نزوج ما يقارب 1000 عائلة في الأيام الأخيرة، ويلفت إلى أنّ أعداداً كبيرة منهم لا تزال في جرود بلدة عرسال، ويشتكي من قلة التنظيم في المخيم الذي شيّد من أجل استقبالهم في الأيام الأخيرة. من ناحية أخرى، يشتكي نازحٌ آخر من ضعف التقديمات الإنسانية المخصصة لهم، فيتحدث أنه منذ 3 أيام لم يستطع الحصول على خيمة فقط ينام فيها مع أسرته، ويسأل أي إنسان يصل إلى المخيم عن إمكانية المساعدة في هذا المجال.
ويكشف نازح ثالث أن أغلبية النازحين هم من بلدة يبرود، ويشير إلى أن قسما منهم ليسوا من أبناء البلدة الأصليين بل من نزحوا إليها في وقت سابق من قرى وبلدات سوريّة أخرى، لا سيما من منطقة القصير، بعد أن كانت الأجواء فيها مستقرة إلى حد ما، ويضيف: "أصبحنا اليوم في عرسال إلى أن يفرجها الله علينا". ويوضح أن بعض المسؤولين يطلبون منهم النزول إلى مدينة زحلة لتسجيل أسمائهم لدى الجمعيات الخيرية التي تقدم المساعدات، لكنه يشير إلى أن هناك قسماً كبيراً منهم لا يملك أوراقاً ثبوتية، كما أن هناك مخاوف من حصول عمليات خطف على الطرقات.
ماذا يستطيع أن يفعل "الثوار"؟
بعد الإنتهاء من الحديث عن الأوضاع الإنسانية، كان من الضروري الإنتقال إلى السؤال عن أجواء المعركة في بلدة يبرود، لكن ذلك لم يكن بالأمر السهل، مع العلم أن النازحين لم يكن لديهم مشكلة في الحديث عن هذا الموضوع مطوّلاً، لا سيما أن الأكثرية من المؤيدين لقوى المعارضة، ويريدون أن يصل صوتهم إلى كل العالم.
وحول هذا الموضوع، يتوافق النازحون على أن المعنويات في صفوف الكتائب المقاتلة عالية جداً، ويؤكدون وجود مقاومة كبيرة في مواجهة عناصر الجيش السوري و"حزب الله"، إلا أنهم لا يتوقعون الصمود إلى ما لا نهاية نظراً إلى حجم الخلل في موازين القوى بين الجانبين. ويشتكي هؤلاء من عدم تقديم الأسلحة اللازمة إلى "الثوار" من قبل القوى التي تدّعي دعم المعارضة، في حين أن الدول التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد تقدم له مختلف أنواع الدعم، ويرون أن هناك مؤامرة تحصل عليهم تحت عناوين مختلفة، ويصفون ما يجري بـ"العار" على المجتمعات العربية والإسلامية والدولية.
ولا ينفي هؤلاء وجود إرادة كبيرة على الصمود، لكنهم يؤكدون أن "البارودة" لا تستطيع أن تقاوم الطائرات التي ترمي البراميل المتفجرة على البلدة بشكل عشوائي، ويؤكدون أنه في الأيام الأخيرة لم يعد هناك من إمكانية لبقاء المدنيين في البلدة، لا سيما بعد أن وصلت الأنباء عن المعارك التي حصلت في القرى والبلدات المحيطة.
ولدى سؤال بعض الشبان عن سبب مغادرتهم البلدة طالما أنهم يجاهرون بدعم قوى المعارضة المسلحة، يشيرون إلى أنهم يأتون مع عائلاتهم ولا يستطيعون التخلّي عنها، بالرغم من الرغبة لديهم في مشاركة "الثوار" في عمليات "المقاومة"، ويعتبرون أن الأزمة تكبر يوماً بعد آخر، ولا يتوقعون أن تنتهي في وقت قريب.
من وجهة نظرهم، الدول الكبرى لها مصلحة في استمرار الحرب في بلادهم، وهي لا تريد حل الأزمة على الإطلاق، وينتقدون الدول العربية التي تشتري السلاح من أجل تخزينه بدل دعمهم.
في المحصلة، لا توحي الأنباء التي يتحدث عنها بعض النازحين من يبرود إلى عرسال أن الأمور على أحسن حال، وعلى الرغم من إقتناعهم بأن مقاومة كبيرة سوف تحصل من قبل الفصائل المعارضة لكنهم يدركون بالمقابل أنهم لن يستطيعوا الصمود إلى ما لا نهاية.