هو "الإرهاب" الذي أصرّ أن يكون جزءًا لا يتجزّأ من "يوميات" اللبنانيين، والذي بدأ للأسف يحقّق بعض "غاياته" مع تحوّل عملياته لشيءٍ عادي يمرّ مرور الكرام، مع إضافته بعض الأسماء إلى لائحة الشهداء والجرحى لا أكثر ولا أقل..
يوم السبت، ضرب الإرهاب ضربة من العيار الثقيل في الهرمل، مستهدفًا هذه المرّة حاجزًا للجيش اللبناني. يُقال أنّ الجيش لم يكن "الهدف"، إلا أنّ الاشتباه بالانتحاري كان كافيًا لتغيير "بنك الأهداف"، تغييرٌ لم يشمل بيان "التبنّي" الذي خرجت به "جبهة النصرة" بكلّ وقاحة، واضعة العملية على جري عادتها في إطار الردّ على "حزب الله"، دون أن تشير ولو بكلمة إلى استهداف الجيش.
في مطلق الأحوال، فإنّ النتيجة كانت واحدة، ودفع الجيش اللبناني من دم ضباطه وجنوده ثمن مكافحته الإرهاب، مرسّخًا من جديد معادلة "الشرف والتضحية والوفاء" التي لا يتردّد أبطال الجيش بترسيخها يومًا بعد آخر، في حين يواصل السياسيون "معاركهم" لابتكار "معادلةٍ ما" تنقذ ماء وجههم في البيان الوزاري، ولو كانوا يدركون سلفًا أنّها ستبقى "حبرًا على ورق"، في وقتٍ اللبنانيون هم بأمسّ الحاجة إلى العمل لا الشعارات!
الجيش هدفا للإرهابيين..
مساء السبت، كانت الهرمل على موعدٍ مع تفجيرٍ انتحاري جديد، في إطار ما يُسمّى "المداورة" التي يبدو أنّ الإرهابيين قرّروا تطبيقها على إجرامهم العبثي المتنقّل بين المدينة والضاحية الجنوبية لبيروت، في ظلّ مخاوف لم تعد خافية على أحد بأن يمتدّ "المسلسل" إلى مناطق أخرى، باعتبار أنّ الإرهاب الذي لا دين له لم يعد يهمّه سوى القتل والقتل والقتل.
ومع ذلك، فإنّ "تغييرًا نوعيًا" رُصِد هذه المرّة في "تكتيك" الإرهاب، فالهدف لم يكن البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" ولا المصالح الإيرانية في لبنان، بل كان رمز الوطن الأول، الجيش اللبناني البطل، الجيش الذي يكافح الإرهاب ويسجّل إنجازاتٍ نوعية على هذا الصعيد، وهو ما تُرجِم بسلسلة من التوقيفات والعبوات المكتشَفة في الآونة الأخيرة.
وفي تفاصيل الاعتداء الانتحاري المجرم أنه وعلى حاجز جسر العاصي في الهرمل، حصل انفجار ناجم عن سيارة مفخخة رباعية الدفع موضع ملاحقة من قبل الجيش، يقودها انتحاري فجّر نفسه لدى توقيفه من قبل عناصر الحاجز، ما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من العسكريين بينهم ضابط إلى جانب عدد من المدنيين صودف مرورهم في المكان، كما تبيّن بنتيجة الكشف بأن السيارة نوع غراند شيروكي لون أسود صنع 1994. وقدر الخبير العسكري زنة العبوة بحوالي 125 كلغ من المواد متفجرة.
وقد نعت قيادة الجيش شهيديها في الاعتداء وهما الملازم الأول الياس الخوري، وهو من مواليد 10/2/1988 ـ زحلة، تطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط اعتباراً من 16/10/2007، رقي إلى رتبة ملازم اعتباراً من 1/8/2010، وتدرّج في الترقية إلى رتبـة ملازم أول اعتباراً من 1/8/2013، حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته عدة مرات، وكذلك الجندي حمزة الفيتروني، وهو من مواليد 1/5/1987 – بعلبك، تطوع في الجيش بتاريخ 24/12/2011، حائز عدة أوسمة، وتهنئة العماد قائد الجيش عدة مرات.
هل يُنجَز البيان الوزاري؟
ومع استمرار الضربات الموجِعة والقاتلة، يستمرّ البعض في لبنان منهمكًا بـ"الصيغة السحرية" التي سينتهي إليها البيان الوزاري، في ظلّ "الشروط المتقابلة" التي عادت إلى السطح، بين من يريد شطب معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، ومن يطالب أقله بصيغةٍ "متناغمةٍ" معها، تنصّ أقله على أنّ المقاومة حاجة وضرورة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية التي لا تنتهي.
وفي حين عادت المطالبات بضرورة أن يكون البيان الوزاري مقتضبًا وأن لا يقع المكلّفون بصياغته في فخّ "التفاصيل" التي تكمن فيها "الشياطين" كما بات معروفًا، بقي "التفاؤل" بالإسراع في إنجازه حاضرًا بقوة، بل إنّ البعض ذهب إلى القول أنّ الجلسة المنتظرة خلال الساعات المقبلة للجنة صياغة البيان الوزاري يفترض أن تكون "حاسمة" على هذا الصعيد.
وعلى الرغم من أنّ رئيس الحكومة تمام سلام تجنّب الخوض في مواعيد نهائية للحسم، إلا أنه أبدى ارتياحه لسير النقاشات التي قال أنها تتمّ "بهدوء وتفاهم"، وكذلك فعل عددٌ من أعضاء اللجنة، وبينهم وزير العمل سجعان قزي الذي قال لصحيفة "النهار" إنه يتمنى ان تكون الجلسة الأخيرة اليوم، "واذا أخذنا معيار نوعية النقاشات التي دارت حتى الآن، فالأمل كبير أن تكون الجلسة النهائية الاثنين"، وأوضح ان "لجنة صياغة البيان الوزاري على طريق الوصول الى صياغة مرضية لكل الاطراف من غير ان يتخلى أي طرف عن مبادئه"، وشدد على ان تدوير الزوايا، والتسويات، والصياغات اللغوية "لا تكون على حساب الدولة وسلطتها المطلقة".
كلمة أخيرة..
من جديد، كان الجيش اللبناني يدفع الثمن، ويعمّد بدماء أبطاله شعار "الشرف والتضحية والوفاء".. وفي المقابل، من جديد كان الإرهابيون يوجّهون الرسائل لمن يهمّهم الأمر أنّهم باقون هنا بالمرصاد للجميع، وأنّ تشكيل حكومةٍ من هنا وتحقيق تقدّم من هناك لن يؤثر عليهم بشيء..
كلّ ذلك يفرض على اللبنانيين نوعًا آخر من التعاطي، نوعٌ لا يحوّل الانفجارات إلى جزءٍ من يومياتهم، جزءٌ لم يعد يحظى بـ"الهيبة" نفسها، بل نوع يوجّه الرسائل "الموجعة" للإرهابيين، ويؤكد لهم أنّ كلّ خططهم ستذهب هباءً وأنّ تضامنهم يبقى أقوى من كلّ محاولاتهم المشبوهة لإيقاع الفتنة فيما بينهم..