قد يصعب على المرء أن يستنتج أو يحكم على أيّ عمل مرتبط بشكل أو بآخر بالصراع بين إسرائيل و"حزب الله"، نظراً لحسابات الفريقين الدقيقة ولاعتباراتهم بأنّ أيّ معركة جديدة بينهم قد تكون حاسمة. وعلى ضوء متغيرات المنطقة والحراك القائم فيها وما أنتجته من حروب ابعدت الكثيرين عمّا كان يعرف بالصراع العربي-الاسرائيلي، فإن "حزب الله" من جهة وإسرائيل من جهة اخرى، كانا على علم بأن الصراع بينهما لم ولن ينهيه قرارٌ دولي أو تسوية عالمية أو إقليمية.
إنّ الحرب الباردة بين الفريقين التي برزت بعد العام 2006، ارتكزت من الجهة الاسرائيلية على العمليات الامنية ضدّ "حزب الله"، في المقابل فان إستمرار الحزب في التجهز لأن يكون قوةً رادعة في وجه إسرائيل شكل بحد ذاته ردًا على هذه العمليات. فقد بات الفريقان أمام معركة مفتوحة لا ينقصها إلا بدء إطلاق النار، كما أنّ الصراع القائم في سوريا شكل النقطة الحاسمة في هذا الخصوص حيث أراد الاسرائيلي أن يحول الأزمة السورية إلى معركة يلوي فيها ذراع "حزب الله"، وهذا ما فهمته قيادة المقاومة جيداً، حين اعتبرت أن المعركة في سوريا وجودية ولا تقل أهميةً عن المعركة المباشرة مع اسرائيل.
لقد شكلت الغارة الجوية الاسرائيلية في اليومين الماضيين الحدث الابرز الذي شغل الرأي العام والاعلام العالمي في ظل تكتم الجهات المعنية بطبيعة الضربة الجوية لدرجة انه لم يعرف ما اذا كانت هذه الضربة داخل الاراضي اللبنانية او السورية و ما الذي استهدفته تحديدا.
ومن هنا، فقد اكدت مصادر لـ"النشرة" بان هذه الغارة الجوية وقعت في آخر نقطة عند الحدود السورية مصيبة هدفا تابعا لـ"حزب الله" لن يتم الافصاح عنه في هذه المرحلة لاسباب تتعلق بالرد على هذه العملية. من جهة اخرى فان التصريح الاسرائيلي الرسمي جاء على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي اكد ان "اسرائيل ستقوم بكل ما يلزم لحماية مواطنيها" وذلك في معرض تعليقه على هذه الضربة الجوية.
وفي هذا السياق لا يجب فصل هذه الغارة عن المناورات التي يجريها الجيش الاسرائيلي منذ اسبوعين على حدوده الشمالية مع لبنان، كما لا يمكن فصلها عمّا يُحكى عن سيناريو حربٍ غربية-إسرائيلية ستستهدف العاصمة السورية دمشق، فهذا السيناريو يعتمد على معطيات تفيد بأن تدريبات عسكرية اجريت في الاراضي الاردنية شاركت فيها أكثر من جهة غربية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، تمهيدا لتدخل عسكري سيطال العاصمة السورية دمشق في محاولةٍ جديدة لضرب عمق النظام السوري بعد التقدّم العسكري الّذي حققه الجيش السوري وحزب الله على مختلف المحاور في الميدان.
من الواضح أن "حزب الله" كان قد غيّر إستراتجيته العسكرية والأمنية في صراعه مع إسرائيل، وخصوصاً في طريقة الرد على أي استهدافٍ يطاله، حيث بات يعتبر أن الرد على هذه العمليات الاسرائيلية لن يكون إلا بافشال كل المخططات الغربية والاسرائيلية على الأراضي السورية بعد تحولها إلى ميدان مفتوح وحربٍ مباشرة ضد إسرائيل.
وبالفعل فقد جزمت مصادر "للنشرة" بأنّ "حزب الله" قرر ان يكون الرد على هذه الغارة بنفس الطريقة، أي داخل الاراضي السورية، مع التشديد بأنّ الايام القليلة المقبلة ستشهد عملا نوعيا سيعلن عنه بعد اتمامه. واذا ما اردنا ان نحلّل هذه المعلومة سنجد ان معركة القلمون التي تحظى باهتمام اسرائيلي كبير، وصل الى حد التهديد بالتدخل المباشر فيها، وبالتالي فان حسم هذه المعركة سيشكل ضربة قاسية لإسرائيل نظراً لأن "حزب الله" سيكون بقدراته ومقاتليه متفرغاً بشكل كامل لمواجهة اسرائيل جنوباً هذه المرة.
إذاً هي مسألة خطوط حمراء يحددها فريقا النزاع، في معركة أوسع من الجغرافيا وأبعد من الزمان، قد تكون طلقة هذه الغارة هي الأولى ولكن كيف وأين ستكون طلقتها الأخيرة؟ سؤالٌ ستحدّد إجابته الأيام المقبلة.