فيما كان البيان الوزاري "عالقًا" بين ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، التي يرفضها فريق الرابع عشر من آذار بحرفيتها، وإعلان بعبدا، الذي يرفضه فريق الثامن من آذار بحرفيته، وفيما كان البحث لا يزال مستمرًّا عن صيغة تكون مرضية للجانبَين، ولو كان ذلك بالاعتماد على لغة "الإنشاء" بعيدًا عن لغة "الحسم"، بدت مستجدّات الساعات الأخيرة وكأنّها تذكّر من يجب أن يعنيهم الأمر بأنّ الخطر الإسرائيلي لم يصبح في خبر كان، بل إنه لا يزال ماثلاً وبقوة..
فعلت الغارة الإسرائيلية فعلها إذًا. لأكثر من أربع وعشرين ساعة، بقيت غامضة، إلى أن خرج "حزب الله" عن صمته، وأكد حصولها على موقعٍ له في منطقةٍ بقاعية على الحدود اللبنانية السورية، جازمًا أنّ هذا "العدوان"، كما وصفه، لن يبقى بلا ردّ من المقاومة التي تختار "الزمان والمكان والوسيلة المناسبة للردّ".
وفيما تسارعت ردود الفعل على بيان الحزب، بين مؤيد ومستنكِر على جري العادة، رأى كثيرون أنّ التطورات المتسارعة على هذه القضية يُفترض أن تنعكس على صياغة البيان الوزاري، الذي لا يمكن أن يمرّ دون تأكيد حق لبنان في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي..
"حزب الله" خرج عن صمته..
خرج "حزب الله" إذًا عن صمته، بعد أكثر من أربع وعشرين ساعة على الغارة الإسرائيلية "الغامضة"، غارة لم يكن أحد قد حسم موقعها، وما إذا كانت حصلت داخل الأراضي اللبنانية أم في الأراضي السورية، ولم يصدر أيّ موقفٍ رسمي بشأنها لا عن الجانب اللبناني ولا السوري ولا حتى الاسرائيلي، الذي اكتفى بنقل ما نشرته وسائل الإعلام اللبنانية، أو بالموقف "الضبابي" الذي صدر عن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو لجهة قوله أنّ إسرائيل ستفعل كلّ ما هو ضروري للحفاظ على أمنه.
لكنّ "حزب الله" قطع الشكّ بالبقين، بتأكيده حصول الغارة على موقعٍ تابعٍ له على الحدود اللبنانية السورية قرب منطقة جنتا في البقاع، لافتًا إلى أنّ "هذا العدوان لم يؤد بحمد الله وعنايته الى سقوط اي شهيد او جريح ولحقت بالموقع بعض الاضرار المادية فقط". واشار الى ان "كل ما قيل في بعض وسائل الاعلام عن استهداف لمواقع دفاعية او صاروخية او استشهاد مقاومين لا اساس له من الصحة".
وفيما وصف الحزب هذا "العدوان" بأنه "اعتداء صارخ على لبنان وليس على المقاومة فقط"، وشدّد على أنه "لن يبقى بلا رد من المقاومة وهي ستختار المكان والزمان والوسيلة المناسبة للرد"، لفت طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل "جمع كل المعطيات والمعلومات المتوفرة عن الاعتداء الجوي الاسرائيلي الاخير، لتقديمشكوى الى مجلس الامن ضد هذا العدوان الذي يعتبر خرقاً للقرار 1701"، وذلك بعدما اطلع من رئيس الاركان في الجيش اللواء الركن وليد سلمان ونائب رئيس الاركان للتخطيط العميد الركن مارون حتي على المعلومات المتوفرة عن الاعتداء.
تقدّم.. واستراحة
على خط البيان الوزاري، فإنّ الأجواء "الإيجابية" عادت لتطفو على السطح بعد أن تقدّمت عليها الأجواء "التشاؤمية" التي أثارتها الشروط والشروط المضادة التي وضعها الأفرقاء خصوصًا في ما يتعلق بإعلان بعبدا وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، "إيجابية" لم تترجَم بعد صيغة توافقية ترضي جميع الأفرقاء، بل تُرجِمت بـ"استراحة" وُصفت بـ"التقنية" بسبب ارتباط اثنين من أعضاء لجنة صياغة البيان الوزاري بمواعيد خارجها كما تمّ تبريرها.
وعلى خط النقاشات المتعلقة بهذا البيان، لفت موقفٌ لرئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط قال فيه أنّ اللغة العربية غنية وأنهبالإمكان إيجاد صيغة مقبولة توافقية لموضوع المقاومة في البيان الوزاري، آخذين في الاعتبار أن هناك أرضاً لبنانية محتلة من إسرائيل، وحق لبنان في المقاومة كدولة وشعب، فيما أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقاء الأربعاء النيابيتفاؤله بالوصول قريبا لإنجاز البيان الوزاري.
وفي حين أعلن وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور عقب الاجتماع السادس للجنة الوزارية للبيان الوزاريانجاز معظم القضايا "التي يمكن ان تكون ذات طابع اشكالي وبقي بعض القضايا للنقاش"، كشف عضو اللجنة الوزير سجعان قزي لـ"النهار" انلا اعتراض على أي تعبير يتصل بالمقاومة اذا ما اقترن بعبارة "تحت سلطة الدولة". وقال: "اننا مصرّون على ان لا تكون التسوية اللغوية على حساب المبادئ السياسية"، علمًا أنّ صحيفة "الأخبار" نقلت في السياق عينه عن مصادر اللجنة قولها أنّ أن "الأبواب لم تغلق، لا بل بالعكس،النقاش يتقدم في الاتجاه الذي يرضي الجميع".
كلمة أخيرة..
في ظلّ الانقسامات اللبنانية، بدا أنّ "حزب الله" كان المعنيّ الوحيد بالخرق الإسرائيلي للسيادة اللبنانية عبر استهداف موقعٍ له على الحدود اللبنانية السورية، بل أنّ بعض من خرجوا للتعليق على الموضوع لم يستنكروا الغارة بل اكتفوا بـ"السخرية" من توعّد الحزب بالرد في "الوقت المناسب".
صحيح أنّ الوحدة الوطنية تبدو لكثيرين "تمثيلية كبيرة" لا أكثر، ولكنّ الصحيح أيضًا أنّ البديهيات والثوابت بدت بحاجة لإعادة تحديد، لأنّ الاختلافات السياسية، وما أكثرها، قضت عليها، في وطنٍ انهار كلّ سلّم قيمه ومبادئه، في وطنٍ بات بحاجة لعملية إنقاذ قبل فوات الأوان..