يُقال أنّ جلسة لجنة صياغة البيان الوزاري المنتظرة خلال الساعات القليلة المقبلة ستكون "حاسمة"، والمفترض أن يُنجَز فيها البيان الذي ستطلب الحكومة ثقة البرلمان على أساسه..
ولكن، وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي بدأت تطفو على السطح، لا توحي المؤشرات والمعطيات الأولية بوجود "صيغة وسطية" يمكنها أن ترضي جميع الأفرقاء، لدرجة أنّ اللغة العربية "الغنية" بالتعابير والمفردات والمصطلحات "عجزت" عن "التصدّي" لـ"السقوف المرتفعة" التي رفعها بعض الأفرقاء، تمامًا كما فعلوا أيام تشكيل الحكومة، ليضطروا في ما بعد لتقديم ما أسموها "التنازلات لمصلحة الوطن".
وأبعد من كلّ ذلك، بدا أنّ الغارة الاسرائيلية مرّت مرور الكرام، بل إنّ البعض لم يكن ليشعر بها لولا بيان "حزب الله" الذي توعّد بالرد عليها فاستنفر بعض "المشكّكين"، ولولا بدء وزارة الخارجية الإعداد لـ"شكوى" ضدّ إسرائيل في الأمم المتحدة، في وقتٍ تستمرّ التسريبات حول مخططات أمنية "جهنّمية" لا أحد يعرف إلى أين ستأخذ لبنان في حال أبصرت النور..
لا تراجع عن المقاومة..
هكذا إذًا، لا يزال البيان الوزاري يصطدم بـ"العقبات" من هنا وهناك، على الرغم من محاولة معظم مكوّنات الحكومة تصويره بحُكم المُنجَز منذ اليوم الأول، وذهابهم لحدّ القول أنّ الجلسة المرتقبة للجنة صياغة البيان الوزاري يوم الجمعة ستكون "النهائية".
إلا أنّ ذلك لا يمنع أنّ المؤشرات العملية لا توحي بذلك، وأنّ الجهود الكثيفة التي تسارعت خلال الساعات الماضية للوصول لـ"صيغة وسطية" لم تتكلّل بالنجاح بعد، إذ إنّ بندي "إعلان بعبدا" و"المقاومة" لا يزالان يثيران "الجدل" بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار.
وفي هذا السياق، لفت حديث رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن حصول توافق على مخرج لذكر "اعلان بعبدا " وتنفيذ مقررات الحوار في البيان الوزاري "ولم يبق سوى موضوع المقاومة الا اذا أراد البعض العودة الى بدايات المناقشات"، إلا أنّه شدّد على أن لا تراجع عن اعتماد كلمة المقاومة، التي وصفها بالكلمة الذهبية، في البيان الوزاري، مؤكدًا أنّ هذا الموقف نهائي، وهو الأمر الذي أكدته أيضًا مصادر سياسية في فريق الثامن من آذار قالت لصحيفة "الأخبار" أنّ الأجواء إيجابية وليست سلبية، لكن إذا استمر فريق 14 آذار في التمسك بشطب بند المقاومة برمته من البيان "فساعتها عمرها ما تاخذ الحكومة الثقة".
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "النهار" أنّ المساعي التي بذلها الوزير وائل ابو فاعور من أجل تحضير صيغة متفق عليها من جملة اقتراحات وتتعلق بالمقاومة كي تطرح على طاولة اللجنة الوزارية لم تنته الى نتيجة ملموسة حتى ساعة متقدمة من الليل. وفي الوقت عينه لم يتبن فريق 14 آذار في اللجنة الصيغة التي تتحدث مواربة عن اعلان بعبدا في مشروع البيان.
شكوى لبنانية وهواجس أمنية..
في غضون ذلك، بقي الوضع الأمني في صدارة الاهتمام، في ضوء التهديد المستمرّ بهجماتٍ انتحارية محتملة في إطار مسلسل الإرهاب المتنقل الذي يصرّ البعض على زرعه في البيئة اللبنانية، وكذلك في ضوء الغارة الإسرائيلية الأخيرة التي أكد "حزب الله" أنها لن تبقى بلا رد من المقاومة، وهو الأمر الذي استدعى "استنفارًا غير مسبوق" من الجانب الإسرائيلي، وتحذيراتٍ شديدة اللهجة وُجّهت إلى الحكومة اللبنانية مباشرة.
وفي هذا الإطار، لفت التحرّك الرسمي على هذا الصعيد خلال الساعات الماضية، حيث طلب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل لشنّها الاثنين الماضي غارة على منطقة جنتا البقاعية، مع حفظ حق لبنان بدعوة المجلس إلى الانعقاد. وفي حين ذكرت معلومات أنّ سلام قدّم الشكوى فعلا ووجه كتابا رسميا الى الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون ورئيس مجلس الامن لهذا الشهر وطلب توزيع الشكوى كوثيقة رسمية على الدول الاعضاء في المجلس، دعت الامم المتحدة "حزب الله" واسرائيل الى تجنب تصعيد حدة التوتر في المنطقة.
أما جديد الهواجس الأمنية، فتمثل بالتسريبات "الخطيرة" التي تمّ تداولها حول اعتراف الموقوف محمود أبو علفا الذي ينتمي إلى "كتائب عبدالله عزام" أنه كان يخطط لمحاولة اغتيال رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبحسب المعلومات، فإنّ الأخير أقرّ بأنّ أشخاصاً كانوا يتولون مراقبة كل مداخل عين التينة في بيروت، وبعض النقاط الحساسة التي يتردد عليها بري، وفي ضوء ذلك، تم وضع سيناريو لعملية إرهابية تستهدفه بسيارة مفخخة يقودها أحد الانتحاريين، حتى لو اقتضى الأمر تجهيز أكثر من سيارة وأكثر من انتحاري في الوقت نفسه (أحدهما ينطلق بسيارته من المدخل الجنوبي قرب محلات "اكزوتيكا" والثاني من جهة المدخل الشمالي الأقرب إلى منطقة عين التينة ــ فردان).
كلمة أخيرة..
هي "كلمة ذهبية" تعطّل إذًا إنجاز البيان الوزاري، كلمة يُفترض أن تكون "تحصيلاً حاصلاً" في بلدٍ لا يزال مهدَّدًا، وما الغارة الإسرائيلية قبل يومين والتهديدات التي أعقبتها من المسؤولين الإسرائيليين سوى خير دليلٍ على ذلك..
لبنان الرسمي تحرّك ردًا على الغارة، فقدّم "شكوى" هو يعلم أنّها لن تقدّم ولن تؤخّر، بل لن تردع إسرائيل عن "الاعتداء" متى أرادت، لتكون "مقاومتها" بغضّ النظر عن المواقف السياسية حقًا يُفترض أن يكون "مشروعًا"، برأي الكثيرين..
وأبعد من عبارةٍ من هنا أو هناك، قد يكون الأوان قد حان ليدرك السياسيون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويسرعوا بإنجاز البيان لأنّ البلاد لم تعد تحتمل مماطلة..