تصاعدت الحملة المطالبة بإلغاء مشروع محور (Axe) «الحكمة ـ الترك» و«النفق الجزئي» على «شارع شارل مالك»، وبالتزامن مع تنفيذ اعتصامين يومي السبت والأحد الماضيين، يستعد الائتلاف المدني الرافض للمشروع إلى معركة قضائية وشعبية طويلة.

رسائل عدة وجّهها المعتصمون أمام مطرانية بيروت للموارنة أمس. لكن الرسالة الأهم كانت للمطران بولس مطر الذي لا يزال يرفض الاجتماع بممثلين عن «الائتلاف المدني الرافض لطريق محور الحكمة _ الترك»، الذي يشمل شارع فؤاد بطرس والنفق الجزئي (الممر السفلي) على جادة شارل مالك عند مدرسة الحكمة. ويأتي هذا الاعتصام بعد أقل من ساعة على اعتصام نفذه الائتلاف في مار مخايل قرب مؤسسة كهرباء لبنان، شارك فيه المئات من الناشطين وممثلون عن الجمعيات الأهلية وسكان المنطقة.

يشكل هذا الحراك المدني نموذجاً فريداً في مقاربة المشاريع التي تطرحها الجهات الرسمية، فهو يتعدى كونه حراكاً رافضاً للمشروع الذي سيقضي على حيز تراثي وعمراني فريد في بيروت، ليقدم بدائل جدية مرفقة بخرائط ومخططات تبرّع بتصميمها مهندسون متطوعون يقارعون الحجة بالحجة ويصرون على متابعة دقيقة للمشروع والجهات التي تقوم بتنفيذه من لجنة التخمين والاستملاك الى دراسة الأثر البيئي، مروراً بدراسة مفصلة عن حركة السير تبرهن أن المشروع الذي خطط له في ستينيات القرن الماضي لم يعد صالحاً للتنفيذ في العقد من الألفية الثالثة.

وبالتزامن مع الرفض الشعبي المتصاعد وتوقيع العرائض ضد المشروع، لا تزال خريطة المواقف السياسية منه غير واضحة، فمن جهة لا تزال مطرانية بيروت للموارنة تؤيد المشروع، رغم أنه سوف يصادر العديد من العقارات التي تملكها وكذلك الأمر بالنسبة الى مطرانية الروم الأرثوذكس. في المقابل، أظهر كل من حزب الكتائب والتيار الوطني الحر موقفاً مؤيداً للحراك المدني الرافض للمشروع، في حين لم يصدر موقف واضح عن حزب القوات اللبنانية ونواب آذار في الأشرفية. ويعوّل الائتلاف المدني على تصاعد الرفض الشعبي كمدخل لاستدراج جميع القوى السياسية والطائفية في منطقة الأشرفية الى صف الرافضين للمشروع، وهو ما دفع الى تزخيم حركة الاعتصامات واللقاءات خلال الأسبوعين الماضيين.

يوضح المنسق العام للائتلاف رجا نجيم أن شعار الحملة الرافضة للطريق هو «لا للطريق السريع، نعم لبارك فؤاد بطرس»، معتبراً أن «من المعيب ربط اسم فؤاد بطرس أو أي اسم آخر بمشروع كارثي مثل طريق الحكمة _ الترك، طريق الموت والبؤس والتهجير الذي يصر عليه البعض من أصحاب المصالح الذين هم أقلية موصوفة».

وجدد نجيم القول إن «التحرك هو بمثابة إخبار نضعه برسم وزير العدل ليحرك النيابة العامة المالية والاستئنافية والتفتيش المركزي»، مؤكداً «استعداد الائتلاف لتقديم المستندات التي تثبت قضيته لجهة عدم احترام مجلس الإنماء والإعمار وبلدية بيروت لقانون البيئة ومراسيمه التنظيمية المتعلقة بتقييم الأثر البيئي وشروط إلزامات تطبيقه»، مذكّراً بأن «العقوبة في هذا المجال هي جزائية».

ولفت الى أن «القيمة المعلنة للمشروع هي 3 مرات أقل من قيمته الحقيقية تطبيقاً لمبدأ إلزامية التعويض العادل في مقابل الاستملاك في حال وجود منفعة عامة حقيقية، كما تفصيل المادة 14 من تعديل سنة 2006 لقانون الاستملاك الذي ينزع عن الإدارة المستملكة حقها بتملك ربع العقار مجاناً في العقارات المصابة بالتخطيط والمقابلة للأوتوسترادات المقفلة استناداً إلى مبدأ عدم وجود منفعة لهم»، واصفاً الحال في مشروع الأوتوستراد أمام هذا الواقع «بعملية مبطّنة لمصادرة ممتلكات الشعب من قبل مجلس الإنماء والإعمار وبلدية بيروت»، لافتاً الى أن «الكلفة الحقيقية للمشروع هي نحو 150 مليون دولار، وليس 55 مليوناً».

وأضاف نجيم: «لم يسلم مجلس الإنماء والإعمار هيئة لجنة التخمين كل المستندات الضرورية لتتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة».

وأشار الى «وجود نية مبطنة لدى مجلس الإنماء والإعمار في ما يتعلق بعدم تحديد التراجعات الضرورية المختلفة وفق مضمون مرسوم المشروع نفسه، وهذا يتناقض مع كل الأصول ومعايير السلامة، ما يجعل المشروع متخماً بالأخطاء التصميمية ومستحيل التنفيذ وحتى خطراً»، لافتاً من جهة أخرى الى أن «المشروع يقع ضمن منطقة ليس فيها تراجعات، ما يعني أن لا ضرورة للتراجع ولا قدرة للمواطنين على المطالبة بالتعويض عن الضرر».

ولفت الى أن «كلام أحد المهندسين المسؤولين عن المشروع بتعليق التنفيذ في انتظار تقييم الأثر البيئي من وزارة البيئة مخالف للقانون ويعرضه ويعرض مجلس الإنماء والإعمار لملاحقة جزائية، عقوبتها الحبس والغرامة المالية لكل من يباشر في تنفيذ مشروع لم تنجز دراسة أثره البيئي»، معتبراً أن «الواجب هو وقف المشروع نهائياً وليس تعليق تنفيذه».

واعتبر أن «المرسوم 8228 الصادر في 30/5/2012 والخاص بإنشاء الطريق باطل لأنه قائم على مراسيم باطلة»، مذكراً مجلس الإنماء والإعمار بأنه «فقد منذ 2012 سلطته الاستنسابية في ما يتعلق بالمشاريع التي ينفذها، وعليه احترام القوانين والقيام بما يلزم لمنع حصول أي تضارب بين المنفعة العامة ومصلحة المواطنين».

ودعا نجيم مطران بيروت للموارنة بولس مطر الى «أن يكون على رأس الحملة المطالبة بوقف المشروع»، بعدما عرض تفاصيل الضرر الواقع على المواطنين في منازلهم والتعويضات غير العادلة التي ستدفع لهم، بالإضافة الى الازدحام الذي سيسببه تحويل السير الى طرق فرعية داخلية في منطقة فيها الكثير من المؤسسات التربوية والمستشفيات التابعة للطائفتين المارونية والأرثوذكسية، بالإضافة الى دور العبادة، فضلاً عن الازدحام الذي سينشأ من تحويل سير إضافي في ساعات الذروة على طرق جديدة مخارجها محدودة القدرة على استيعاب

السيارات.

وكان «الائتلاف المدني الرافض لطريق محور الحكمة _ الترك» قد نجح في تقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة باسم العديد من مالكي العقارات المتضررة من المشروع، بينها شركة ستار غروب، للمطالبة بوقف تنفيذ المشروع. وأصدر المجلس قراراً إعدادياً في كانون الثاني الماضي قضى بالتريث في بتّ طلب وقف التنفيذ وبتكليف الدولة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار بإفادة المجلس عما إذا كانت الأصول المنصوص عليها في المادة من قانون الاستملاك قد استكملت، وإثبات ذلك في حال الإيجاب.

ويؤكد نجيم أن مجلس الإنماء والإعمار تقدم بلائحة جوابية فيها العديد من المغالطات الواقعية والقانونية.

وتشدد المراجعة أيضاً على المخالفة الجوهرية التي شابت المرسوم المطعون به لأحكام قانون البيئة / ومرسوم تقييم الأثر البيئي.

وكان مجلس الإنماء والإعمار قد كلف شركة «الأرض» القيام بدراسة الأثر البيئي، لكن ذلك لم يستتبع بوقف تنفيذ المشروع والاستملاكات المرافقة له الى حين إنجاز الدراسة، الأمر الذي اعتبره الائتلاف مخالفة صريحة ورسالة مفادها أن تقييم الأثر البيئي لن يكون سوى إجراء شكلي، بمعزل عن النتيجة والتوصيات التي ستصدر على أثر هذا التقييم.

واستنكر نجيم «عدم إبلاغ وزارة البيئة قرار هيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل الصادر في 9/1/2014 للاطلاع على موقفها في ما يتعلق بالأثر البيئي ومدى توافقه مع الأصول المرعية الإجراء».

وكان رئيس بلدية بيروت بلال حمد قد أعلن أن دراسة الأثر البيئي بدأت منذ شهرين، ولا يمكننا مباشرة العمل قبل انتهائها، وقد يخلص التقرير إلى إلغاء المشروع أو تعديله أو السير به، وعلينا التزام ما تمليه علينا الدراسة».