في سابقةٍ بدت الأولى من نوعها، اشتعلت الأمور بشكلٍ غير مسبوق على خط الضاحية الجنوبية – بعبدا خلال عطلة نهاية الأسبوع، لتنعكس "تشاؤمًا" على خط البيان الوزاري الذي لا تزال لجنة صياغته "تتخبّط" في محاولةٍ للوصول لـ"صيغة وسطية" يمكن أن تلقى قبول جميع الأطراف..
القصة بدأت من الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية الذي تحدّث فيه عن "معادلاتٍ خشبية"، خطاب بدا "مستفزًا" لـ"حزب الله" فخرج للمرّة الأولى عن صمته، فأصدر بيانًا مقتضبًا ولكن "قاسيًا" بحق من وصفه بـ"ساكن قصر بعبدا"، متّهمًا إياه بأنه "أصبح لا يميّز بين الخشب والذهب".
وفي وقتٍ انقسم اللبنانيون على جري العادة بين مؤيدٍ لموقف الحزب ومدافعٍ عن الرئيس بوجه "الحملات"، تتّجه الأنظار لانعكاسات الأزمة المستجدّة على البيان الوزاري، وما إذا كانت ستقضي على الحكومة السلامية والأجواء "الوردية" التي رافقت تشكيلها..
بين الذهب والخشب..
مساء السبت، فجّر "حزب الله" بشكل مفاجئ قنبلة من العيار الثقيل. ففي وقتٍ كان يتوقع البعض صدور بيان عنه يتبنّى فيه أو ينكر مسؤوليته عن الصاروخين "المجهولين" اللذين سقطا في موقع للجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ واللذين انهمك بهما الإعلام الإسرائيلي طيلة النهار، كان بيان الحزب في مكانٍ آخر تمامًا.
لم يذكر البيان اسم رئيس الجمهورية بتاتًا، في "تكتيكٍ مقصود" كما قرأه المراقبون، مع حرصٍ لافت على تأكيد "الاحترام الأكيد لمقام رئاسة الجمهور وما يمثل"، قبل أن يشير إلى أنّ "الخطاب الذي سمعناه بالأمس"، في إشارة إلى خطاب رئيس الجمهورية حول "المعادلات الخشبية"، "يجعلنا نعتقد بأن قصر بعبدا بات يحتاج في ما تبقى من العهد الحالي إلى عناية خاصة لأن ساكنه أصبح لا يميز بين الذهب والخشب".
وفيما سارع رئيس الجمهورية للردّ على الحزب بـ"تغريدةٍ" قال فيها أنّ " قصر بعبدا بحاجة الى الاعتراف بالمقررات التي تم الاجماع عليها في أرجائه أي إعلان بعبدا"، كرّت سبحة المهلّلين له والمستنكرين لما أسموه "التطاول غير المسبوق" الذي مارسه "حزب الله" بحقه، في حين لفتت في المقابل مواقف لوزير الطاقة جبران باسيل الذي، وإن رفض "تقييم" مواقفه غيره من الأفرقاء، لفت إلى أنه "إذا كانت المعادلة خشبية، فهي تكون سادت لستّ سنوات من العهد الرئاسي، وتكون أيضاً وصفاً للعهد الرئاسي"، علمًا أنّه أكد أنّ التيار الوطني الحر ساهم في أن يكون من غير الضروري أن تكون الثلاثية مذكورة في البيان الوزاري.
لا للتخلي عن المقاومة..
وإذا كان "التشاؤم" سيّد الموقف عشية جلسة لجنة صياغة البيان الوزاري، التي يعتقد كثيرون أنّ أزمة "المعادلات الخشبية" سترتدّ عليها بشكلٍ مباشر، فإنّ قوى الثامن من آذار تبدو كمن قرّر رفع السقف، وبالتالي فما كان مقبولاً قبيل هذه الأزمة لن يكون مقبولاً اليوم، وعبارة المقاومة في البيان الوزاري هي بالنسبة لها خط أحمر.
ويندرج في هذا السياق ما نقله زوار عين التينة لـ"النشرة" عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجهة جزمه أنه "ليس من الوارد التخلي عن المقاومة"، وتشديده على أنّ "الوطن ليس مستقلا عن المقاومة واهم بنيان الوطن هي المقاومة"، لكنّ بري تحدّث عن وجود العديد من الطروحات التي يمكن ان تكون في حال وجود أجواء مؤاتية واستعداد لدى الأفرقاء لبحثها ومناقشتها، موضحًا أنّه "كما جرت المحافظة على إعلان بعبدا بصيغة تمّ الاتفاق عليها، يمكن أن يتمّ الاتفاق على مقترح أو صيغة في شأن القاعدة الثلاثية، فهناك عبارات لا تشكل تحدياً ولا تخدش شعور حتى المتطرفين".
في غضون ذلك، لفت كلام لوزير الصحة وائل أبو فاعور اعتبر فيها أنّ الاعتقاد بأنّ لجنة البيان الوزاري قادرة على إيجاد تفاهم سياسي حول قضية المقاومة والحدث السوري هو وهم، خصوصًا أنّ هذا الأمر عجزت عنه طاولة الحوار رغم جهود رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فيما لوّح وزير العمل سجعان قزي بالانسحاب من لجنة صياغة البيان الوزاري، مؤكدًا رفضه إستمرار "قتل الوقت والتسويق والمماطلة" في لجنة صياغة البيان الوزاري.
كلمة أخيرة..
يبدو أنّ طريق البيان الوزاري مزورعة بـ"الشوك" لا بـ"الورد" كما صُوّر الأمر يوم تشكيل الحكومة..
هكذا، بات البيان الوزاري الذي قيل للوهلة الأولى أنه جاهز وأنّ صياغته لن تستغرق أكثر من جلسةٍ واحدة مهدَّدًا بحدّ ذاته، ولم تبدُ اللغة العربية "الإنشائية" قادرة على "حفظ ماء الوجه" كما قيل أيضًا وأيضًا..
قد لا يكون التصعيد اليوم في وقته، وقد لا تكون المماطلة مجدية، ولكنّ الأهم من كلّ ذلك، يبقى السؤال عمّا إذا كان الأفرقاء السياسيون يريدون فعلاً العبور بلبنان إلى برّ الأمان، أم أنّ كلمة السرّ لم تأتِ بعد..