قد يكون بعض اللبنانيّين مستاء ممّا تعرّض له رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أكثر من الرئيس نفسه الذي حافظ على رباطة جأشه، وقد يكون هناك من شعر بالإهانة أكثر منه، فهو يدرك ما يريد ولم يقل كلمة إلّا وكان مقتنعاً بها، ولا يخاف اتّهامه بالخروج عن كونه توافقياً، لأنّ هناك محطّات إن بقي فيها توافقياً يكون مجرماً. كيف؟
ليست المرّة الأولى التي يُتَّهم فيها رئيس الجمهورية بأنّه لم يعد توافقياً، فقد تبادل طرفا النزاع التّهمة نفسها في محطات سياسية وأمنيّة وفي أوقات متفاوتة، ولكنّه لم يدخل مرة في سجال مع أحد، فأفسح بذلك المجال أمام كلّ مَن هاجمه لتصحيح موقفه، فجاءت الحقائق لتُعرّي فئة فصوَّبت رمايتها، وامتلك آخرون فضيلة الجرأة فالإعتذار.
على شيء من هذه الخلفيات، إنتظر سليمان من أيّ كان قَول ما قيل وانتقاده بعد «خطاب الكسليك»، إلّا قيادة «حزب الله». فالحوار الدائر بينهما لم ينقطع يوماً، وهو سبق أن بعث اليها برسائل عدة منها ما نقله رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي كان حريصاً على لقاء نصف شهري مع سليمان، لم تحل الأيام والاستحقاقات دون عقده منذ عامين على الأقل.
ففي أصعب الظروف كان الحديث عن زيارة رعد الى قصر بيت الدين او الى قصر بعبدا سبقاً صحافياً إلّا في نظر رئيس الجمهورية والمحيطين به. فقد كان رعد في نظرهم يعرف أنّه « قناة حوار» لها مصداقية فوق الشبهات في إدارة حوار متواصل بين رئيس الجمهورية وقيادة بحجم «حزب الله»، وفي مرحلة لا تتحمّل وجود قنوات حوار من الهواة أو من مُستغلّي مثل هذه المهمات، وبالتالي تجاوزا معاً أصعب المحطات السياسية والأمنية.
ولكن ما الذي حصل حتى انفجرت العلاقة بين سليمان والحزب؟
يعترف العارفون بأنّ رئيس الجمهورية لم يخف عن قيادة «حزب الله» مخاوفه من حجم تورّط الحزب في سوريا، وهو إن قدَّر عالياً مسؤولية الحزب على المستوى الوطني لم يستطع «بَلع» ما بلغه تدخّله في الملف السوري، وهو الذي سبق له أن حذَّر من تدخّل مجموعات سلفية سنيّة كانت تقوم بعمليات انتقامية على الحدود اللبنانية - السورية ونبَّه مَن يجب تنبيهه. وقلائل يعرفون أنّ رئيس الجمهورية استدعى عسكرياً كان في موقع حسّاس بعدما بلغت إليه معلومات عن تورّطه في تدريب مقاتلين لبنانيين وسوريين مناهضين للنظام، ونبَّهه الى خطورة ما يقوم به وتحويل منزله في منطقة حدودية، مركز تدريب.
والجميع يتذكر أنّ ما سعى اليه سليمان في «إعلان بعبدا» كان تحييد لبنان عمّا يجري في محيطه، وكان الإعلان مناسبة تحذيرية لعدم تكرار تجربة «تل كلخ» تحديداً، و»حزب الله» يعرف ذلك جيداً، وقد سبق إصراره على البيان في شكله ومضمونه تورّط «حزب الله» في سوريا علناً، فقد كان يترقّب هذا التورّط ويخشاه باعتبار أنّ هذا التدخّل لا ولن يُقاس بعمل مجموعات متفرّقة بقيَ تدخّلها هزيلاً وأنّ لهذا التدخّل صدى إعلامياً ليس إلّا، وليس بحجم ما انتهى اليه تدخّل الحزب.
لم يكتف سليمان بذلك، فحذّر مرة أخرى في خطاب عيد الجيش في الأول من آب العام الماضي من خطورة أن تترك المقاومة، الجيش والشعب في لبنان وتذهب وحيدة الى سوريا. ولذلك، وعلى هذه الخلفية، طالب سليمان في الأمس القريب بتجاوز النقاش الدائر حول المقاومة في لجنة البيان الوزاري لعبور الحكومة هذه البوابة الدستورية الإجبارية بأقلّ الخسائر الممكنة ولملاقاة المجتمع الدولي قبل مؤتمري باريس وروما ولتسييل الهبة السعودية السخية من الأسلحة الفرنسية.
وعليه، أمام سليمان معادلة بسيطة لم يُخفها عن كثيرين، قال إنّه توافقي في شخصه ونهجه وفي كل يوم عمل، لكن وفي بعض الحالات لن يكون توافقياً عندما يكون الوطن في خطر جدّي، وإن بقيَ توافقياً سيكون مجرماً.