كما كان متوقعًا، لم تفلح لجنة صياغة البيان الوزاري في إنجاز المهمّة الملقاة على عاتقها، ولم يبصر البيان المنشود النور رغم كلّ "التسهيلات" التي كثر الحديث عنها في الإعلام..
أكثر من ذلك، فإنّ "اشتعال" المواقف عشية جلسة اللجنة، وخصوصًا على محور بعبدا – الضاحية، كان كافيًا لـ"تشنيج" الأجواء، وهو ما تجلى بـ"ترحيل" الجلسات حتى يوم الجمعة المقبل، بعد أن درجت العادة في الأسبوع الماضي على عقد جلساتٍ يومية في محاولةٍ للإسراع بإنجاز البيان الذي، على أساسه، إمّا تأخذ الحكومة الثقة أو تتحوّل لحكومة تصريف أعمال، لا أكثر ولا أقل..
الرهان إذًا هو على "تبريد" الجبهات "المشتعلة" خلال الأيام الفاصلة عن موعد الجلسة المقبلة، أيامٌ سيواصل فيها المعنيّون الجهود لتقريب المسافات، لعلّهم ينجحون في دفع "الدخان الأبيض" للتصاعد أخيرًا من السراي الحكومي يوم الجمعة..
لا دخان أسود...
كان كلّ شيء يوحي بأنّ جلسة لجنة صياغة البيان الوزاري يوم الإثنين لن تخرج بأيّ نتيجة. المواقف السياسية مرتفعة السقف التي سبقتها لعبت دورها في "إخماد" أيّ "تسوية" ممكن، أو أقلّه تأجيلها لأيام. ما قبل خطاب رئيس الجمهورية عن "المعادلات الخشبية" وردّ "حزب الله" عليه ليس كما بعده، يؤكد المعنيون.
انطلاقًا من كلّ ذلك، رأى كثيرون أنّ الجلسة كان محكومًا عليها بالفشل قبل أن تُعقَد، بل إنه كان من الأجدى إرجاؤها طالما أن لا جديد تطرحه، وريثما يخفّ "التشنّج" المتزايد على كافة المحاور. وانسجامًا مع هذا التوجّه، انتهت الجلسة كما بدأت، لتكون نتيجتها الوحيدة حاملة دلالات عميقة ألا وهي تأجيل البحث لأربعة أيامٍ متتالية، حتى يوم الجمعة المقبل، ولو تمّ تبرير ذلك بسفر رئيس الجمهورية الى الخارج وغياب عدد من اعضاء اللجنة.
الأجواء إذًا ليست بأفضل حالاتها، ولو حرص وزير الصحة وائل أبو فاعور على القول أنّ "لا دخان اسود والنقاشات مستمرة بنفس المسار الايجابي"، وتأكيده "الاتفاق على الاستمرار في نفس الاجواء الايجابية على المستوى السياسي والمستوى الاعلامي"، علمًا أنّ مصادر في اللجنة وصفت الجلسة بـ"المسرحية"، وفق ما نقلته عنها صحيفة "الأخبار".
وفي وقت لم يستبعد وزير المال علي حسن خليل التوصل الى انجاز مسودة البيان في اجتماع الجمعة المقبل، شدّد وزير الداخلية نهاد المشنوق على انه "لا بد من وجود افق للتفاهم ولا خيار أمامنا سوى التوافق وسنستمر في المحاولة حتى آخر دقيقة".
"النصرة" في بريتال..
في غضون ذلك، وفيما بقي "السجال" بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان و"حزب الله" على خلفية خطاب الأول عن "المعادلات الخشبية" محور المواقف على الساحة الداخلية، بين رافضي "التطاول" على مقام رئاسة الجمهورية ومؤيدي "انتفاضة" الحزب وخروجه عن صمته، انشغلت البلاد بما تسرّب عن زيارةٍ مرتقبةٍ لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون إلى المملكة العربية السعودية، ردّ عليها "الجنرال" صباحًا بـ"تغريدة" أعلن فيها أنّه من يعلن عن أي تحرك يقوم به وأنه ليس معنيًا بشيء خلاف ذلك.
إلى ذلك، عاد الوضع الأمني إلى الواجهة من بوابة البقاع الشمالي خلال الساعات الماضية، حيث سُجّل تجدّد سقوط الصواريخ المتنقّلة بين بلداته، وقد طاولت قذائف صاروخية بعد الظهر بلدة بريتال للمرة الثانية في أقل من ثلاثة أيام مصدرها الاراضي السورية حيث سقطت سبع قذائف صاروخية على دفعتين في محلة التليلة بين بلدتي حورتعلا وبريتال وسهل بلدة بريتال في منطقة وادي الحبيب من دون وقوع اصابات. ومساء استهدف الطيران السوري منطقة وادي الخيل في جرود عرسال والطريق بين فليطا وعرسال بـ 18 صاروخا.
وعلى جري عادتها، تبنت "جبهة النصرة في لبنان" في بيان عبر "تويتر" مساء قصف بريتال، زاعمة أنّ "أبطالها" أطلقوا الصواريخ على ما أسمتها بـ"أوكار حزب الشيطان في منطقة بريتال"، داعية أهلها في لبنان إلى "الصبر" باعتبر أنّ "فرج الله قريب"، وقالت: "اجعلوا قلوبكم معلقة باللّه تعالى، ولا تجعلوها معلقة برئيس دولة لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وجيش لا تجرؤ قياداته على محاسبة أصغر أفراد هذا الحزب المجرم"، على حدّ تعبيرها.
كلمة أخيرة..
موجة الصواريخ الجديدة التي سقطت في البقاع بالأمس، معطوفة على وعيد "جبهة النصرة" بالمزيد خلال الأيام المقبلة بانتظار "الفرج"، ليست سوى خير دليل على أنّ "الإرهاب" لا يزال يتربّص بلبنان وباللبنانيين، وأنّه لم "يستسلم" بعد..
كلّ ذلك يتطلّب من السياسيين بعض "المسؤولية" للمواجهة بروح وطنية عالية والتعالي على الحسابات الضيّقة التي لا تقدّم ولا تؤخّر، ولذلك فالمطلوب تغليب مصلحة الوطن على كلّ شيء، لا انتظار عمل إرهابي جديد لتقديم ما يسمّونه "تنازلات" فيما هو في الواقع "الواجب" ولا شيء سوى "الواجب"..