يُواصل الجيش السوري، بدعم من قوى حليفة تُحارب في مناطق مختلفة من سوريا، هجومه على منطقة يبرود حيث يتقدّم بشكل بطيء في القرى والبلدات المحيطة بها، بهدف تضييق الخناق على قوات المعارضة داخل المدينة المذكورة والتي تُحاول إطالة أمد المعركة إلى أطول فترة ممكنة وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المهاجمين. وعلى الرغم من أنّ الجيش السوري ينفّذ هجمات متفرّقة على أكثر من جبهة، فإنّ جهده الأساسي في الأسابيع القليلة الماضية تركّز في منطقة يبرود.
في المقابل، تُروّج وسائل إعلام المعارضة السورية، وتلك الداعمة لها، لاستعدادات ميدانية تتمّ في محافظة درعا تحضيراً لهجوم مرتقب نحو دمشق. لكن وبحسب أكثر من خبير عسكري فإنّ هذا "السيناريو" غير واقعي، وإعلامي -تهويلي أكثر منه ميداني- عسكري. والسبب أنّ المسافة الفاصلة بين المنطقتين تبلغ نحو 120 كيلومتراً، وهي مسافة طويلة جداً، ولا تناسب أيّ هجوم، إن من ناحية إسقاط عنصر المفاجأة، أو من ناحية صعوبة تأمين الدعم اللوجستي للقوى المهاجمة. وبالتالي، بحسب مفهوم العلم العسكري، إنّ الحديث عن إستهداف العاصمة السورية بهجوم سينطلق من الحدود الجنوبيّة مع الأردن أمر مستبعد جداً. إلا أنّ هذا الأمر لا يُسقط إحتمال حصول هجوم واسع إنطلاقاً من محافظة درعا، بدعم لوجستي خلفي مستمدّ من مناطق حدوديّة مع الأردن، لكن بهدف كسر الحصار المفروض على الغوطتين الشرقية والغربيّة، أكثر منه لمحاولة إسقاط دمشق.
وبحسب مُتابعين غربيّين للملفّ السوري، يبدو أنّ المعارضة تستعدّ لشنّ هجوم كبير، لإعادة رفع المعنويات، ولتغيير المشهد الحالي المليء بانتصارات ميدانية – ولو جزئيّة - لقوات النظام والقوى الحليفة له. وأضاف هؤلاء أنّ الهجوم الذي يتم التحضير له لن يكون إنطلاقاً من محافظة درعا، كما يُروّج إعلامياً من باب التمويه، بل على جبهة أخرى مختلفة، في تكرار لما حدث في الرابع من آب الماضي، عندما شنّت عشرة كتائب مسلّحة تابعة للمعارضة هجوماً مفاجئاً ومنسّقاً على قرى ريف اللاذقيّة، تحت عنوان "عملية تحرير الساحل السوري"، بينما كان الحديث الإعلامي هو عن هجمات في مواقع أخرى تماماً. وللتذكير فقد تمكّنت القوى المهاجمة آنذاك من الوصول إلى قرية عرامو على بعد 20 كيلومتراً من مدينة القرداحة، مسقط رأس الرئيس بشار الأسد، قبل أن ينجح الهجوم المضاد للجيش السوري بعد أسبوع من إستعادة كل المناطق التي دخلها مقاتلو المعارضة. والمعلومات المُسرّبة تتحدّث عن إستعدادات وتحضيرات للمعارضة السورية، للإستفادة مجدّداً من أربعة عناصر مهمّة كانت وراء نجاح تقدّمها في ريف اللاذقية في الصيف الماضي، هي: إعتماد عنصر المفاجأة بالنسبة إلى موقع الهجوم، وتأمين حشد عددي كبير للمهاجمين، وإستخدام نوعية أسلحة فعّالة خاصة الصواريخ المضادة للدروع، وتنفيذ هجمات إنتحارية على الحواجز الأمامية للقوى المدافعة والتي كانت محدودة العدد في حينه.
وحتى الساعة، لم يتمّ تحديد موقع الهجوم الذي تستعدّ المعارضة السورية المسلّحة لشنّه في المستقبل القريب، في محاولة لتحقيق كسب معنوي على النظام، بعد سلسلة من الإخفاقات. لكنّ أجهزة إستخبارات مختلفة رصدت في الأيام القليلة الماضية تحرّكات لآليّات عسكرية من الأراضي التركية نحو الداخل السوري، وتحديداً نحو المنطقة الساحلية شمال غرب سوريا، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان هجوم ريف اللاذقية الفاشل في الصيف الماضي. ومن المتوقّع أن تعمد المعارضة هذه المرّة إلى معالجة الثغرات السابقة التي أسفرت عن مصرع أعداد كبيرة من قواتها بفعل الهجوم المضاد للجيش السوري، بعد أن عجزت عن تأمين الدعم اللوجستي لهم، خاصة بالذخيرة، علماً أنّهم كانوا يقاتلون في مناطق مؤيّدة للنظام بشكل واسع.
وفي الختام، بين هجمات الجيش السوري العلنيّة، خاصة على يبرود، وتحضيرات المعارضة السرّية لهجمات مفاجئة في المستقبل، بغض النظر عن الموقع الذي ستستهدفه، تدخل سوريا بعد أيّام قليلة العام الرابع للأزمة، في ظلّ واقع دموي مفتوح على مصراعيه وغياب أيّ بصيص أمل بحلّ سلمي في المدى المنظور.