لا يعد مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجرد تنظيم شكلي له ظاهر وحدودي، بل أثبت على مدى سنوات طويلة أنه حاجة لشعب منطقة الخليج، واستطاع أن يحقق لشعب هذه المنطقة الكثير من الانجازات.
ولكن في الوقت عينه، ليس مستغرباً أن تُقدم أمس ثلاث دول من دول مجلس التعاون الخليجي على سحب سفرائها من قطر، فمسار العلاقات الخليجية- الخليجية بدأ بالترنح منذ أن توغلت السعودية وقطر بقوة في الأزمة السورية، وقامت هاتان الدولتان بدور محرّض وممول ومسلح، انعكس على علاقاتهما الآن.
جملة من المؤشرات تبيّن أن مسار العلاقات الخليجية- الخليجية ينحو نحو التراجع، وربما ينتهي إلى تفكك هذا التنظيم الإقليمي القائم منذ 25 أيار 1981، وذلك بسبب الخلافات حول قضايا عدة، ومن هذه المؤشرات التي تهدد صمود هذا المجلس:
النزاع القائم بين الإمارات والسعودية بسبب سيطرة السعودية على حقل الشيبة وخور العيديد النفطي واحتلال أراض واسعة في محيط الحقل تقدر بأربعة آلاف كيلومتر مربع من أرض الإمارات، الأمر الذي جعل الامارات تقوم بحملات إعلامية شرسة ضد السعودية، وسمحت للكاتب الإماراتي سالم حميد بأن ينعت السعودية بأنها صاحبة الفكر الأقبح والأنكر على وجه الأرض.
الخلاف غير الظاهر للعلن بين سلطنة عمان والممكلة العربية السعودية، وذلك بسبب معارضة الأولى المشروع الذي تقدمت به المملكة العربية السعودية لإنشاء اتحاد خليجي، وهو اقتراح قدمه للسعوديين وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل الذي رأى ضروة إنشاء حلف عسكري خليجي قادر على أن يواجه «إيران وتهديداتها».
قيام سلطنة عمان إثر رفضها هذا الاقتراح بزيارة إيران، الأمر الذي اعتبرته السعودية عملاً استفزازياً لها تحديداً ويضرّ بعلاقات سلطنة عُمان بدول الخليج الأخرى في ظلّ التوتر الحاصل بين إيران والسعودية.
الهيمنة المستمرة للسعودية على مجلس التعاون الخليجي وتحجيم دور الدول الأعضاء الأخرى، وتحديداً قطر.
انحياز قطر للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ودعم الإخوان المسلمين، وإطلاق أثير الإعلام لهم، والسماح للشيخ يوسف القرضاوي باعتلاء منابر المساجد في قطر وشن حملات على كل من الإمارات والسعودية، ويعلم الجميع أنه لا يمكن لقناة الجزيرة ولا القرضاوي الهجوم على هاتين الدولتين من دون ضوء أخضر من السلطات القطرية، مقابل ذلك، قيام السعودية بدعم حركة المشير عبد الفتاح السيسي في 30 حزيران ضد الإخوان المسلمين.
ولقد جاء البيان المشترك الصادر عن السعودية والبحرين والإمارات بسحب سفرائها من قطر أمس، بمثابة التصرف الذي لم يعد هناك من مفر منه على ما تقوم به قطر، وإن كانت له أسباب سياسية أخرى، حيث أشارت المصادر إلى أن سحب السفراء جاء نتيجة العلاقات التي باتت تجمع قطر بحزب الله، وأن أحداث العوامية في المحافظة الشرقية في السعودية حصلت نتيجة هذه العلاقة. لذلك، رأينا أن بيان سحب السفراء يحمّل قطر مسؤولية عدم التقيد بمقررات قمة مجلس التعاون الخليجي في 23 تشرين الثاني 2013، وعدم قيامها بأي إجراء لتنفيذ هذه المقررات التي تنص على «الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشوؤن الداخلية لأي من دول المجلس، بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي».
هذا الموقف الخليجي هو عقاب لدولة صغيرة على دورها في العديد من الملفات الشائكة والمعقدة خليجياً وعربياً، وهو عقاب بمثابة طلاق بائن بينونة صغرى وليس كبرى أي يمكن الرجوع عنه، ولأن القرار هو «سحب» السفراء وليس «قطعاً للعلاقات الدبلوماسية» أو «إنهاءها» والفرق شاسع جداً بين هذه المفاهيم الثلاثة في القانون الدبلوماسي، حيث سحب السفراء يعد احتجاجاً على السياسة القطرية ليس أكثر، وقد يعود السفراء إلى سفاراتهم بمجرد معالجة القضايا الشائكة، وهذا ما قد يحصل، ولكن هذا لا ينفي أن مجلس التعاون الخليجي مهدد بالتفكك وجسمه بات ينتشر فيه سم يشل حركته.