تحتاج زيارة مفترضة يقوم بها النائب الجنرال ميشال عون للسعودية، إذا كان لا بد منها إلى مزيد من التنسيق والوقت لتبديد غيوم بدأت تتراكم داخل قوى 14 آذار منذ لقاء باريس الذي جمع الرئيس سعد الحريري إلى مأدبته مع النائب عون، وكان مؤشراً إلى تسهيل ولادة حكومة الرئيس تمام سلام.
لعلّ السرّية التي أحيط بها ذلك اللقاء ونفيه ثم تأكيد حصوله لا تزال تلقي بظلالها على مقاربة الموضوع رغم الإيضاحات المتلاحقة لظروفها وضرورتها. لم يتطرق اللقاء ذاك بحسب المطلعين إلى موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، وليس وارداً أن يؤيد "تيار المستقبل" في نهاية المطاف ترشيح الجنرال للرئاسة، خلافاً لما تصرّ على الإيحاء به أوساط "التيار العوني" ووسائل إعلامه... مع ذلك ستثير زيارة عون للمملكة إذا ما تحققت على مسافة أسابيع من بدء الاستحقاق الرئاسي زوبعة في فنجان يغلي.
وحتى لو كان مقنعاً تبرير مشروع الزيارة للسعودية بأن رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" يبدي انفتاحاً ويلوّح بإيجابيات في اتجاه خصومه السابقين، راغباً في فتح صفحة جديدة مع حليفتهم الإقليمية السعودية - وبالتالي ليس منطقياً مقابلته بالصدّ ورفض اللقاء وإياه - ستظل هذه الخطوة المتقدمة محوطة بالاستفهامات والشكوك، سواء أكانت مبررة أم لا داخل "التحالف السيادي"، كما يحب أن يسميه بعضهم. وذلك نظراً إلى محطات سياسية "مفاجئة" خلفت تساؤلات مراراً واستلزمت اتصالات ولقاءات طويلة بعدها بين أركان 14 آذار. تكفي إشارة إلى وجوم اعترى وجوه سياسيين عدة في لبنان عقب إعلان الرئيس الحريري من أمام مقر المحكمة الدولية قبوله بحكومة تضم فريقه إلى جانب "حزب الله" مسقطاً شرطي إعلانه قبول "إعلان بعبدا" وسحب قواته من سوريا. لم يكن تلاشى من الأذهان كلام الرئيس فؤاد السنيورة على انطلاق "المقاومة المدنية" للسلاح غير الشرعي، ولم تكن صور الاغتيال الشنيع للوزير السابق الشهيد محمد شطح قد تراجعت في الذاكرة.
"المشروع السياسي يقوم على تراكم المواقف والبناء عليها يومياً. كيف نقنع قواعدنا بأننا جديون إذا كنا ننقلب بغتة 180 درجة على ما كنا نقول من دون أدنى تحضير للناس؟"، يتساءل في مجلس خاص سياسي قيادي، ويتدارك بالعودة إلى التأكيد على متانة التحالف والعلاقات بين أطرافه. في مقلب آخر ثمة من يسجل صعوبة في فهم ردود فعل السياسيين الموارنة أحياناً كلما اقترب استحقاق الرئاسة، ويلاحظ أن الجنرال عون الذي يخوض معركة عمره السياسية خلال الشهرين الآتيين يوتّر الجميع كلما تقلّب في تموضعه. كلمة على عون بالزائد أو الناقص هذه الأيام تُشعل هواجس في 8 آذار. وكلمة تعظّم مخاوف لا أساس لها في 14 آذار. تحضر هنا عبارة وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد لقائه "الجنرال" أول من أمس: "وهل يُفتى والجنرال في الرابية؟". سمع الفريق السياسي الذي ينتمي إليه وزير الداخلية من حلفاء ما مفاده أن "قواعدنا لا تتحمل" مثل هذا الكلام. حسناً أفهموا قواعدكم أن المسألة لا تستحق. هذا كلام عام هل نعود إلى البحث في الأساس عند كل كلمة وخطوة وموقف؟
"من الآن إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية... يلزم لزوم هدوء استثنائي"، يقول سياسي حريص على "قضية 14 آذار".