يوم وقف الرئيس ميشال سليمان للمرة الأولى أمام مجلس النواب، بعدما نصّبته القوى السياسية رئيساً للجمهورية عبر اتفاق الدوحة في عام 2008، رفع يده اليُمنى مُعتبراً أن «تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة عنصر مهم للإنماء المتوازن، لرفع الغبن وإصلاح التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين المناطق». مرت السنوات الست من ولاية سليمان من دون أن ينفذ ما وعد. قبل شهرين من انتهاء ولايته، أعلن سليمان (أول من أمس) أنه سيقدّم خلال أيام مشروعاً متكاملاً للامركزية الإدارية.

يريد الرئيس أن يقول للبنانيين إنه وفى بقسمه، كما لو أن دوره يقتصر على اقتراح المشاريع في الأيام الأخيرة من ولايته، لا على العمل من أجل إقرارها طوال ست سنوات من العهد.

يوضح عضو في اللجنة المكلفة وضع المشروع أن سليمان لم يكن يقصد هذا التأخير، «ولو أنه من حقه أن يستغل هذا الملف»! يبرر التأخير في «الكشف» عن المسودة أنه «في حزيران من العام 2009 كان العمل يتركز حول الانتخابات النيابية». أول أسبوع بعد الانتخابات «كنا في مرحلة تصريف الأعمال». عام 2011 «صدر عن وزارة الداخلية كتاب يتعلق باللامركزية». العمل على الملف لم يُستكمل بسبب قدوم الوزير مروان شربل الى الداخلية «وعدم اعتباره الأمر مهماً».

ليس الحديث عن اللامركزية جديداً في القاموس اللبناني، فقد طُرح هذا الموضوع للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي من قبل الحركة الوطنية عبر زعيمها كمال جنبلاط، لتعود القوات اللبنانية وتتبناها في الثمانينيات. في اتفاق الطائف أُدرجت اللامركزية تحت عنوان الإصلاحات، ونص الاتفاق على «اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية». منذ ذلك الوقت، تم تقديم عدد من مشاريع واقتراحات القوانين، ولكن لم يقر أي منها. القصر الجمهوري انضم الى هذه القافلة، محاولاً، ولكن يبدو أن سليمان قرر عدم توديع اللبنانيين قبل أن يقدم هذه المسودة.

«لجنة بعبدا» تشكلت بقرار من الرئيس نجيب ميقاتي، بالاتفاق مع سليمان، وقد ترأسها الوزير السابق زياد بارود، بهدف وضع مشروع للامركزية، يقره مجلس الوزراء، قبل إحالته على مجلس النواب لإصداره بقانون. وبارود هو من قص شريط اللامركزية يوم وضع مكتبه في كانون الثاني من العام 2011 كتاب «اللامركزية الإدارية في مئة سؤال»، فكان هذا المستند «تأسيسياً» في الورقة الجديدة. تألفت اللجنة، التي يصفها أحد أعضائها بـ«التقنية»، من: الوزير السابق سامي منقارة، رئيسة اتحاد بلديات بعقلين وأستاذة الهندسة نهى الغصيني، مستشار الوزير السابق مروان شربل ريمون مدلج، المستشارة القانونية في قصر بعبدا ريان عساف، الباحث كرم كرم، المدير العام السابق لوزارة الداخلية عطا الله غشام، المدير العام للبلديات في وزارة الداخلية خليل الحجل، مدير المركز اللبناني للدراسات سامي عطا الله.

يقول أحد الاعضاء إن «مجلس النواب، بداية العام 2013، كان مشغولاً بدراسة مشروع النائب روبير غانم عن اللامركزية. أتت اللجنة ورأت ضرورة وضع النقاط على الحروف وحسم الأمور». فبدأ من حينه صياغة مسودة. الاجتماعات الأولى «خصصناها لدراسة مشروع النائب أوغست باخوس عام 1991، مشروع قانون حكومة الرئيس سليم الحص في عام 1999، اقتراح النائب روبير غانم الذي يعد الأخير في هذا الإطار. وقبلها مشروعا القوات اللبنانية والنائب كمال جنبلاط». اللجنة لم تأخذ في الاعتبار مشروع اللامركزية الذي يروج له حزب الكتائب، لأنه استناداً الى العضو «فليس للكتائب مشروع، ما لديهم لا يتعدى إطار الأفكار». الخطوة التالية كانت «ترجمة مضامين القوانين». عقدت اللجنة 45 اجتماعاً، دام كل منها قرابة ست ساعات، لتتفق في نهاية الأمر على مسودة مشروع قانون مؤلفة من 150 مادة. إضافة الى تقرير من 31 صفحة يشرح «الأسباب التي دفعتنا الى دراسة اللامركزية». كما سيوزع كتيب مهمته تفسير المشروع وتبسيطه.

عمم سليمان على أعضاء اللجنة التكتم على هذا المشروع، فهو لا يريد أن يصدر شيء قبل أن يعلنه هو رسمياً في احتفال يقيمه للمناسبة. بيد أن «الأخبار» علمت أن اللجنة «تخطت» اتفاق الطائف. ففي حين أن الأخير يقول بـ «إنشاء مجالس محلية على مستوى القضاء يرأسها القائمقام»، قررت اللجنة أن «يُعتمد القضاء كوحدة مركزية، ويكون المجلس منتخباً بأكمله، ولكن مع إلغاء منصب القائمقام». لا مانع أمام تجاوز الطائف في هذه النقطة، «فنحن استشرنا الوزير السابق خالد قباني، وتبيّن أننا نأخذ روحية النص، لا جوهره، وبالتالي نحن لا نقوم بتعديل الاتفاق». ولأن اللامركزية خيارات أناس منتخبين لديهم استقلالية معينة، «فسيتم اعتماد مبدأ الرقابة الشعبية، ما يعني أن بإمكان الناس الاطلاع على المعلومات». بالنسبة إلى الأموال التي تجبيها البلديات «فستسدد مباشرة في القضاء المختص، لا في خزينة الدولة. من المفترض أن تحفز هذه النقطة البلديات على تعزيز الجباية وعدم الاستسهال في هذا الموضوع». أما في ما خص النزاعات بين مجلس القضاء وأي سلطة في الدولة «فيتم إحالته مباشرة الى مجلس شورى الدولة». يلحظ المشروع تمويلاً مناسباً لتلك الصلاحيات، «أي أنه يلحظ تخصيص مجالس الأقضية بواردات مالية كافية لتقوم بمهماتها وذلك من خلال ضرائب ورسوم مباشرة وصندوق لامركزي».

بإمكان سليمان أن ينام بهناء، فالمشروع إن اعتمد سيُعرف باسمه. ولكنه لن يستطيع وصفه بالإنجاز. فاستناداً الى عضو اللجنة «الإنجاز يكون بإقراره في مجلس النواب». الأهمية الوحيدة «أنها المرة الأولى التي تتم فيها دراسة الموضوع بجدية». التحدي أيضاً هو أن «تقبل به جميع القوى السياسية». ومن الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، أن يقر مجلس النواب قانون اللامركزية، قبل نهاية عهد سليمان الذي سيعود إلى عمشيت، على ما يبدو، من دون أن يحمل القانون توقيعه.