على الرغم من أن المفاوضات والإتصالات إنطلقت بعد أيام قليلة على عملية الخطف، لم يكن الإفراج عن راهبات دير مار تقلا في معلولا ليتم لولا بروز العديد من العوامل الهامة في الأيام الأخيرة، أبرزها التقدم الذي أحرزه الجيش السوري في المعارك التي تدور على مشارف بلدة يبرود، بالإضافة إلى سعي قطر إلى العودة إلى الساحة الإقليمية بعد الخسائر التي تكبدتها في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد إنفجار الصراع مع السعودية على خلفية سياستها الخارجية التي تغرد خارج سرب مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا السياق، توضح مصادر مطلعة أن ما حصل في سيناريو الإفراج عن الراهبات يُعيد إلى الأذهان ما حصل عند الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين في مدينة أعزاز السورية، حيث تدخل الوسيط القطري بكل قوته عندما شعر بأن المخطوفين باتوا في خطر مع تقدم مقاتلي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" نحو مدينة أعزاز.
وتشير المصادر المطلعة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن تقدم الجيش السوري نحو بلدة يبرود ساهم في تسريع عملية التفاوض في ملف الراهبات، خصوصاً أن الجهة الخاطفة تدرك أنها لم تعد تستطيع أن تستخدم هذه الورقة أكثر، باعتبار أن جميع المؤشرات كانت تدل على أن النظام سوف يستعيد السيطرة على البلدة سريعاً، بالإضافة إلى أن تعرض حياة الراهبات إلى الخطر كان سيقضي على كل الجهود القطرية الساعية إلى إعادة وصل ما إنقطع مع أكثر من جهة محلية وإقليمية، كما أن تداعياته كانت ستكون خطيرة جداً على علاقتها الخارجية، نظراً إلى أن الجميع كان يدرك أنها قادرة على الضغط على الجهة الخاطفة.
من ناحية أخرى، تشير المصادر إلى أن الجانب القطري أراد من خلال إنهاء هذا الملف العودة إلى لعب دور بارز على الساحة الإقليمية من البوابة اللبنانية، حيث كان من اللافت حضور رئيس المخابرات القطرية إلى بلدة عرسال الحدودية شخصياً من أجل الإشراف على عملية الإفراج عن الراهبات، وتشديده على ضرورة إطلاق سراحهن بعد العراقيل التي برزت في اللحظات الأخيرة من جانب الجهة الخاطفة، وترى أن قطر أرادت من خلال خطف الأضواء أن تؤكد أنها لا تزال قوة ذات نفوذ على الصعيد الإقليمي على الرغم من محاولات الحصار التي تُفرض عليها من قبل السعودية، وهي سعت إلى القيام بذلك من خلال لعب دور "الوسيط" الذي نجحت فيه على مدى سنوات طويلة.
وعلى صعيد متصل، تعتبر المصادر أن قطر وجّهت أكثر من رسالة من خلال هذه الخطوة، أولها إلى الجانب السوري تفيد بأنها مستعدة للمساعدة على إنهاء الملفات التي تهمه إلى حد بعيد، وثانيها الرغبة بفتح علاقات مع روسيا التي كانت معنية بحل هذه القضية، وثالثها إلى "حزب الله" بأنها تريد أن تعود إلى علاقاتها السابقة معه، وتؤكد أن هذا الأمر سوف ينعكس على ملفات أخرى في الأيام المقبلة، قد يكون منها ملف المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم.
وتشدد المصادر على ضرورة التنبه إلى قضية البوابة اللبنانية في هذه العملية، التي تعتبر بالنسبة إلى السعودية تحت سيطرتها، ما يحمل الكثير من الدلالات الخفية التي ستظهر معالمها في الأيام القليلة المقبلة في حال لم يتم الوصول إلى تسوية سريعة على الصعيد الخليجي، خصوصاً من خلال خطوة نقل الراهبات إلى دمشق عبر نقطة المصنع- جديدة يابوس.
في المحصلة، تؤكد المصادر أن المهم من كل ما حصل هو عودة الراهبات سالمات في نهاية المطاف، وتتمنى أن ينعكس الدور القطري الإيجابي على أكثر من ملف إنساني لا يزال يتابع من قبل السلطات المختصة.