حصل ما لم يكن في الحسبان، في "سابقة" هي الأولى من نوعها منذ اتفاق الطائف..
الحكومة، التي أطلِق عليها وصف "المصلحة الوطنية" الفضفاض، تصدّعت سريعًا. استحقاقها الأول قوبل بالمطبّات، فتحوّلت صياغة بيانها الوزاري، أو ما يمكن اعتباره "برنامج عملها"، إلى مهمّة "شبه مستحيلة"، لم ينجح أحد في تسهيلها.
لا اللغة العربية الإنشائية نفعت، ولا ما قيل عن "أضواء خضراء" أتت من "خارج الحدود". النتيجة كانت واحدة، الفريقان اللذان يظنّان أنّهما قدّما من "التنازلات" ما يكفي، أرادا أن "يفرضا" شروطهما، "المضادة" بطبيعة الحال، شروط لم تنجح "الحلول السحرية" في تلبيتها حتى الساعة، ودفعت لجنة صياغة البيان الوزاري لـ"الاستسلام" وإحالة الموضوع إلى مجلس الوزراء، الذي يجتمع الخميس وأمامه خياران لا ثالث لهما، فإما يبتكر "الحل" تحت "الضغط"، وإما "يستسلم" هو الآخر وينعى "المولود الحكومي" دون أسفٍ على "شبابه"!
اللجنة استسلمت..
قبل أيام قليلة من انتهاء مهلة الشهر، التي لا يزال الانقسام الدستوري حول كونها مهلة "حث" أو "إسقاط" ساريًا، أعلنت لجنة صياغة البيان الوزاري "استسلامها" وأحالت المهمّة الموكلة إليها إلى مجلس الوزراء مجتمعًا، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في حكومات ما بعد الطائف..
هكذا، فإنّ البيان الذي قيل في اليوم الأول أنه "شبه جاهز" بقي على حالته بعد الجلسة العاشرة للجنة "صياغته"، وعجزت كلّ مؤشرات "التفاؤل" التي حاول البعض بثها قبيل الجلسة عن "ترجمة نفسها" داخل اللجنة، التي خرجت لـ"تنعى نفسها بنفسها"، علمًا أنّ وزير العمل سجعان قزي الذي تحدّث بعد الاجتماع أشار إلى أنّ الإشكالية تكمن في أنّ "حزب الله يصر على ان المقاومة يجب ان تكون حرة بالتصرف"، ولفت إلى أنه "وانطلاقا من هذا التباين بوجهة النظر قرر رئيس الحكومة تمام سلام عرض ما بلغته لجنة الصياغة على مجلس الوزراء بالتشاور مع رئيس الجمهورية".
وسريعًا، تقرّر الأمر، فدعي مجلس الوزراء الى الانعقاد يوم الخميس في الثالث عشر من آذار الحالي لإطلاعه على ما آلت اليه اجتماعات اللجنة الوزارية لاتخاذ القرار المناسب، علمًا أنّ المصادر الوزارية استبعدت فكرة اللجوء إلى "التصويت" في هذه الجلسة، لكونه سيزيد التصدّع تصدّعًا، مع تركها كلّ الاحتمالات مفتوحة، بما فيها استقالة رئيس الحكومة بوصفه "الضمانة".
استشارات جديدة؟
في ضوء التطورات المتسارعة على صعيد لجنة البيان الوزاري، كان من الطبيعي أن تنشط الاتصالات خلال الساعات الماضية خصوصًا على خط رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط في محاولة لإيجاد "مخرجٍ ما"، علمًا أنّ الوزير علي حسن خليل كشف أنه لم يقدم الصيغة التي تم التوافق عليها بين بري والنائب جنبلاط خلال جلسة اللجنة.
وفي وقتٍ لفت ما نقلته صحيفة "النهار" عن مصادر مطلعة لجهة قولها أنّ رئيس الحكومة قد يلجأ الى الاستقالة لتجنيب البلاد مأزقاً سياسياً ودستورياً، وهو يدرس هذا الخيار جدياً من غير ان يكون حسم أمره في توقيته، برز ما أعلنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حديث لـ"النشرة"، وتحديدًا لجهة قوله أنّه سينتظر أن يردَه البيان الوزاري حتى منتصف ليل الاثنين، فإذا لم يصله سيتّصل برئيس الجمهورية ويطلب منه إجراء استشارات نيابية لتكليف رئيس حكومة جديد.
وفي سياق حديثه لـ"النشرة"، جدّد بري التأكيد على ما يمكن تسميتها بـ"الثوابت" في البيان الوزاري، فكرّر التمسك بالمقاومة في البيان الوزاري، وقال: "لا يمكن أن نتنازل عن أيّ حرف من كلمة المقاومة "م. ق. ا. و. م. ة" ونريد التاء مربوطة وليس طويلة، لأنّ المقاومة خطّ ومصلحة وطنية". وحذر بري من أنّ مجرد القول ان الدولة اللبنانية هي مسؤولة عن المقاومة يعني أنّ الدولة طارت وأنّ المقاومة طارت، ورأى بري انه "اذا قالت المقاومة انا تابعة للدولة يجب أن يُقال لها: لا".
كلمة أخيرة..
هل سقطت الحكومة عند المفترق الأول أم أنّ مفاوضات ربع الساعة الأخيرة كفيلة بإيجاد "الحل السحري"؟ وإذا وُجِد هذا الحلّ، فما هي مقوّمات "صمود" حكومةٍ يبدو "التضامن" هو الغائب الأكبر عن صفوفها؟ وهل من الممكن لحكومة عاجزة عن الاتفاق على "برنامج عمل" أن تنصرف فعلاً إلى "العمل"؟
وأبعد من كلّ ذلك، هل تدرك مكوّنات الحكومة المسؤوليات الملقاة على عاتقها في هذه المرحلة؟ وهل تعتقد فعلاً أنّ تسهيلها تسيير شؤون المواطن ولو على حساب بعض "الحبر" الذي لا يقدّم ولا يؤخر هو "تنازل"؟
أسئلة برسم حكومة لقّبت نفسها بـ"حكومة المصلحة الوطنية" ربما دون وجه حق!