لم تكد تنتهي جلسة مجلس إدارة نقابة الأطباء قبل يومين، حتى انتشرت الأخبار عن وجود فضيحة مالية في النقابة. أموال الأطباء تنقل من مصرف إلى آخر بلا محاضر أو وثائق تثبت ما يحصل (!) الأنباء التي انتشرت عن هذا الأمر أثارت ارتياب الأطباء بما يحصل في نقابتهم. بعضهم كال كلاماً سياسياً لأعضاء النقابة الحالية ورئيسها، وبعضهم ارتأى البقاء حيادياً في انتظار جلاء الوضع والحقائق. لكن الأسئلة «المشروعة» ما زالت قائمة: هل تعمّ الفوضى نقابة الأطباء إلى درجة أن 40 مليار ليرة من أموالها تنقل بقرارات شفهية و5 ملايين دولار تكون في مصرف وتذهب إلى آخر؟ ما قصّة مكننة النقابة وعلاقة أمين السرّ بها؟ ما قصّة عدم وجود محاضر في النقابة؟
ثمة الكثير من الأسئلة التي أثيرت خلال اليومين الماضيين عن نقابة الأطباء. بعضها قد يكون التدقيق فيه أمراً مشروعاً وبعضها يحتمل وجود خلفيات سياسية وراءه؛ فانتخابات النقابة باتت تبعد أقل من شهرين، وبالتالي فإن أي تحرّك من الأطراف الفاعلين في النقابة قد يكون تحركاً بخلفية سياسية «لغاية في نفس يعقوب»، وقد يكون تحرّكاً بخلفيات أخرى لكنه يُستغل سياسياً، وقد يكون تحرّكاً فيه الكثير من الحقائق والقليل من السياسة.
الرواية التي يقدّمها نقيب الأطباء حول الملفات المالية في النقابة تشير إلى أن ما أثاره أمين السرّ سامي ريشوني يأتي على خلفية «عدم تلزيم أعمال المكننة لأخيه، بعدما تبيّن وجود فرق في السعر بينه وبين الشركة التي قدمت أوراقها للنقابة، فضلاً عن أن النقابة لا يفترض بها أن تلزّم أعمال المكننة لفرد بل يجب تلزيمها لشركة من أجل الحصول على الضمانات الكافية»، يقول نقيب الأطباء أنطوان البستاني.
لكن ماذا عن الفساد المالي؟ يجيب البستاني بالإشارة إلى أن ملف تحريك أموال النقابة ليس دقيقاً كما أثير في بعض وسائل الإعلام. «عندما انتخبت نقيباً للأطباء، تبيّن لي أن أموال النقابة موجودة في مصرفين: بنك عوده وبنك ميد. وتبيّن لي أيضاً أن أسعار الفوائد المعطاة للنقابة على هذه الأموال متدنية قياساً إلى أسعار الفوائد الرائجة في السوق. فقد كانت النقابة تحصل على فوائد تتراوح بين 4.5% و5% على ودائعها بالليرة اللبنانية التي تبلغ 40 مليار ليرة، وعلى 3.25% على الودائع بالدولار».
إذاً، الفرق كبير بين الأسعار السوقية وبين ما كانت تحصل عليه النقابة فعلياً. فبحسب البستاني «لقد حصلنا على مبلغ 200 مليون ليرة سنوياً من فرق الفوائد الذي حصلنا عليه بعد إعادة التفاوض مع المصارف. وبنتيجة هذه المفاوضات، قرّر بنك ميد أن يرفع أسعار الفوائد إلى 7% على الودائع بالليرة، وأبقينا على المبالغ المودعة فيه، فيما رفض بنك عوده هذا الأمر، فاتخذنا قراراً بنقل الأموال إلى مصرفي بيبلوس وسوسييتيه جنرال». الأمر لم يكن بهذه البساطة، «فعندما ناقشنا بنك عوده في أسعار الفوائد، أبلغنا الشخص المعني بالآتي: إذا مش معاجبكن شيلوهن».
سلوك متوقع من المصرف الذي يعدّ نفسه الأكبر في لبنان، وبالتالي لن يهتم بودائع بهذا الحجم، ولا سيما أن المصارف تحصل على أرباح مجانية من خلال توظيف ودائعها في سندات الخزينة وشهادات الإيداع بفوائد باهظة من جيوب دافعي الضرائب، وتكتفي بهذا النوع من الربح الريعي والسهل وتحاول فرض نفسها في السوق. الدلال الذي حصلت عليه المصارف خلال العقدين الأخيرين جعل القطاع المصرفي يضغط لمنع أي إجراءات تؤمن حماية للمستهلك، كما في أي دولة في العالم.
على أي حال، يؤكد البستاني أن قرار تحريك الأموال من مصرف إلى آخر لم يكن شخصياً، بل كان معروضاً على مجلس الإدارة الذي اطّلع على ما يحصل «ولقد أخذنا عروضاً من مصارف كبرى في لبنان من أجل نقل الأموال. بنتيجة هذه العروضات نقلنا مبلغ 5 ملايين دولار من أموال النقابة إلى بنك بيبلوس أيضاً، ثم حصلنا على عرض لنقل مبالغ بفائدة تزيد على 7% فنقلنا جزءاً منها ونحن في طور نقل الباقي. علينا أن نحافظ على أموال النقابة وأن نحقق إيرادات للنقابة، وكل ما أقوله موثق».
إذاً، ما قصّة ريشوني؟ يعتقد البستاني أن قرب انتخابات النقابة له تأثير كبير على سلوك الأطراف السياسية التي تعدّ العدّة من أجل خوض المنافسة على أسس قد تنطوي على كثير من الشائعات. «فهل أنا أو مجلس النقابة بسيطون إلى هذه الدرجة من أجل نقل الأموال من دون وجود محاضر أو من دون أي دراسة للسوق؟».