تتداول أوساط سياسية وديبلوماسية رفيعة المستوى كمّاً من المعلومات حول توجّهات جديدة للسياسة الإيرانية في المنطقة والأزمة السورية وتفاعلاتها. ومن بين المعلومات التي تسرَّبت وجود قرار باستبدال سفيرَي إيران في دمشق وبيروت من دون أن تتوافر أيّ معلومات عن توجّهات ايرانية جديدة، فبقيت الأسباب والنتائج رهناً بسَيل من التوقعات. فما هي حقيقة هذا الموضوع؟
تقول التقارير الديبلوماسية الواردة من طهران وأكثر من عاصمة في المنطقة والعالم، أنّ الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أنجز منذ أيام فقط استراتيجيته الجديدة لسياسته الخارجية التي يستعد لتطبيقها في أكثر من منطقة من العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط، وقد حددت الساعة الصفر لتنطلق التغييرات من بيروت ودمشق.
يعترف ديبلوماسيون يراقبون التطورات في إيران بأنّه وبعد مرور أشهر قليلة على تسلّمه مقاليد الرئاسة، حقّق روحاني انجازات سياسية وديبلوماسية خارجية لم تكن متوقعة في حسابات القيادة العليا للثورة الإيرانية. ويقولون إنّ «الرئيس القادم بجلبابه الديني الى موقع الرئاسة خلفاً لسلفه أحمدي نجاد الذي وصلها من منصّة رئاسة بلدية طهران، قد قفز بالبلاد الى محطات متقدمة في سرعة قياسية. فالإنجازات التي تحقَّقت على مستوى المقاربة العالمية للملف النووي الإيراني فتحت امام ايران أبواباً واسعة من التطور بعدما تنشَّق النظام الإيراني بوادر فَك العقوبات وتقلّص مشاريع العزلة الدولية التي وضعت طهران لفترة من الزمن تحت أنظار الأحلاف العسكرية كهدف محتمَل، فانقلبت الخطط الموضوعة من سيناريوهات ضربات عسكرية، الى سيناريوهات سياسية واقتصادية وديبلوماسية بدأت بفكّ بعض العقوبات في قطاعات حيوية وإنتاجية عدة، وصولاً الى احياء كل أشكال التعاون مع طهران، وهي «خريطة الطريق» التي دَشّنتها المفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية كاترين آشتون التي زارت طهران لتعزيز أطر التعاون بين ايران والإتحاد الأوروبي الذي كان اوّل المبادرين الى فرض عقوبات عليها. وعليه، تقلّل المراجع الديبلوماسية من أهمية الهجوم الذي تعرّضت له آشتون من اثنين من كبار القادة الإيرانيين، هما رئيس السلطة القضائية الايرانية صادق آملي لاريجاني ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، ذلك أنّ هذه المواقف لم تحجب أهمية أن يسمح روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف لـ آشتون بعقد مثل هذه اللقاءات، لا بل شجّعاها عليها في خطوة لتصحيح صورة طهران في العالم واعتبارها من خاطفي الحريات وحَجب أيّ عمل خارج أطر الثورة الإيرانية ومؤسساتها العسكرية والسياسية والثقافية والدينية.
ومن دون الاسترسال في ما تنتظره طهران من زوّار عالميّين من خارج روسيا التي تستعدّ لبناء مزيد من المفاعلات النووية في البلاد، تقول المراجع الديبلوماسية إنّ الإتفاق بين ايران والغرب فتح آفاقاً جديدة لا بد ان تنعكس على سياسة إيران الخارجية، في وقت زادت التكهنات بأن تكون بؤر التوتر في العالم مسرحاً للتبدلات الأولى المنتظرة في السياسة الخارجية الإيرانية.
من هنا، تبادلت المراجع معلومات تقول إنّ الخارجية الإيرانية، وبناء لتوجيهات روحاني، قرّرت أن تشهد دمشق وبيروت اولى خطوات التغيير، فتبلّغ المعنيون بصدور قرارَين، الأول يقضي بسحب السفير الإيراني محمد رضا شيباني من سوريا وتعيين بديل منه، والثاني يقضي بسحب السفير غضنفر ركن آبادي من بيروت وتعيين الدكتور فتح علي خلفاً له في مهلة أقصاها نهاية الشهر الجاري.
ومن هنا ظهر سَعي ديبلوماسي لفهم خلفيات هذه الخيارت المفاجئة سعياً وراء استكشاف الأهداف السياسية والديبلوماسية من الخطوة هذه، في انتظار تأكد المعلومات عن توجهات جديدة تعزّز العلاقات بين ايران والعالم الغربي، ليبقى السؤال الأهم: على حساب مَن سيكون التغيير المنتظر في سوريا ولبنان؟ ومَن سيدفع الثمن؟