صحيحٌ أنّ طرابلس دخلت مرحلة ما يشبه الهدوء النسبي بعد تراجع حالة الفلتان الأمني غداة تشكيل الحكومة، إضافة إلى إجراءات الجيش اللبناني المستمرة في ملاحقة المخلين بالامن وتوقيف المطلوبين، إلا أنّ واقع طرابلس وما آلت إليه الاحياء الشعبية (التبانة - القبة - الاسواق الداخلية) التي تحولت إلى مربعات أمنية يتولى كل مربع منها مسؤول يعرف بقائد محور أو قائد مجموعة. وهذه الأحياء تتحكم فيها المجموعات المسلحة بعضها مجموعات سلفية متشددة والبعض منها مجموعات موالية لنواب او لتيارات سياسية. هذا الواقع الطرابلسي لا يبشر بالخير ولا يوحي بأنّ هذه المدينة دخلت مرحلة الأمان في ظلّ سيطرة المجموعات المسلحة على أحياء وشوارع تتجوّل وتلاحق وتحاسب دون حسيب ورقيب.
وحسب مصادر طرابلسية، فإنّ طرابلس لم تعد تحتمل غياب الأمان عن شوارعها حيث تحولت كلّ مجموعة مسلحة إلى محكمة ميدانية تتخذ قرارات وتنفذها وليس قطع بث إحدى المحطات إلا أحد مظاهر السيطرة على المدينة.
تشرح المصادر خريطة المجموعات المسلحة، فتشير إلى أنّ التبانة موزعة بين مجموعات موالية لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ومجموعات موالية للنائب محمد كباره ومجموعات موالية لوزير العدل أشرف ريفي إضافة إلى المجموعات السلفية التي تعتمد منهجا خاصا بها لا يتلاءم مع المجموعات الاخرى، لكن بدا – حسب المصادر – أنّ الوزير ريفي يعمل على استقطاب كافة المجموعات واحتوائها والامساك بقرارها وقد نجح في مشروعه باستثناء مجموعات سلفية متشددة لا تزال تنظر بعين الحذر ومنتظرة قرارات مفصلية تتعلق بالموقوفين الاسلاميين في سجن رومية.
تقول الحكمة: ما دخل المال أمرًا إلا وأفسده ويتحوّل المال المغدق في هذه الأيام إلى عامل فساد وإفساد، فما يجري في هذه الأحياء وخصوصًا ما بين قادة المحاور يقترب من مرحلة خطيرة هي مرحلة الصدام فيما بينها نتيجة التنافس على فرض سيطرتها على التجار والمؤسسات وتشغيل الارصفة وانشاء محلات وبيوت مخالفة للقانون اضافة الى فرض الخوّات والأتاوات.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، الاشتباك الاخير الذي حصل بين آل الاسود وآل الليزا شكل دلالة على مستقبل المجموعات بالرغم من المرجعية الواحدة لكلا العائلتين فهو في خلفيته تنافس على السيطرة وفرض النفوذ، وقد جرى التراشق بالاتهامات طال بعضها فيصل الاسود الذي سبق ان اعلن انسحابه من سرايا المقاومة وعودته الى التبانة، ثم طالت الاتهامات سعد المصري المحسوب على ميقاتي، وحسب المتابعين ان هذه الخلافات نتيجة التنافس الحاد على تزعم قيادة الأحياء فانتجت هذا الخلاف.
وحسب الاوساط الشعبية، فان الاتهامات المتبادلة التي حصلت بين سعد المصري وعائلة الليزا تعكس الخلاف القائم بين ميقاتي وريفي، وحسب المعلومات ان جهات عملت على توريط ال الاسود بهذا الخلاف واتهامهم بقتل اثنين من عائلة الليزا لكن هذه الاتهامات لم تنجح في ابعاد ال الاسود من جديد عن التبانة.
اما المجموعات السلفية فتعتبر نفسها غير معنية بالمجموعات الموالية لنواب او لتيارات سياسية واللافت مؤخرا انها تصف باقي المجموعات المسلحة انها علمانية كافرة ولا تتوانى عن تنفيذ احكام تعتبرها شرعية ونفذ بعض العناصر منها احكام القتل بشاب يدعى محمد بارودي، شتم الذات الالهية وذلك في ضهر المغر كما اطلق النار على شاب في ابي سمراء وهو في حالة سكر ففارق الحياة على الفور، كما اطلق الرصاص على شباب تتناول الكحول في الميناء فسقط ثلاثة جرحى منهم، ولا يهدأون عن تهديد لمن يصفونهم بـ"الفتيات السافرات".
أكثر من ذلك، تؤكد البيانات التي انتشرت مؤخرًا على صفحات التواصل الاجتماعي مدى ارتفاع حدة التنافس بين هذه المجموعات المتناحرة، ولفت في هذا الإطار ما أثاره البيان الذي وُزّع ضدّ سعد المصري من رعبٍ خصوصًا في ساحة الأسمر حيث خرج المسلحون الذين أطلقوا الرصاص احتجاجًا على مضمونه، علمًا أنّ البيان اتهم المصري بأنه صاحب الفتنة التي وقعت بين ال الليزا وال الاسود وأشار إلى انه لولا حكمة ال الليزا لاشتعلت التبانة من جميع الجهات لكن الجميع ارتأى تسليم الفاعلين الى القضاء للمحاكمة، وتوعد البيان بالانتقام لكن سعد المصري لم يتإخر في الرد فاصدر بيانا اعتبر فيه ان هناك مجموعات تريد الايقاع بينه وبين الشباب الملتزم وبين مجموعة حسام الصباغ وتوريط المنطقة.
وأخيراً، تتوقع المصادر ان تواصل القوى المتشددة مشروعها في السيطرة على الساحة الطرابلسية وهي تبدو غير مرتاحة الى بقية المجموعات التي تعتبرها شاذة ولذلك تعرب المصادر عن خشيتها من اندلاع قتال بين الفريقين مما يعني ان المدينة مقبلة على حملة تصفيات بعد تبادل الاتهامات بين البعض من هذه المجموعات.