تكتسب سيطرة النظام السوري على مدينة يبرود معنى رمزياً بالنسبة الى المتصارعين على الارض السورية يتمثل في تحقيقه هذه السيطرة في الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة ضده التي صادفت يوم السبت في 15 الجاري، ما يسمح له بالاعتداد، ولو لم يقم بذلك بمفرده بل بمساعدة "حزب الله"، بأنه لم يتهاو بعد ثلاث سنوات على رغم كل ما حصل وقام به في سوريا بل على العكس هو التقط انفاسه.
لكن في مكان آخر، وفي اطار التوظيف السياسي المرتقب، استبق النظام السوري اعلان سيطرته على يبرود بدعم من الحزب الذي احتفل مؤيدوه في الضاحية الجنوبية من بيروت بسقوط المدينة قبيل وصول الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي الى طهران. ومع ان الأمر قد لا يتعدى المصادفة كون النظام يخوض مع الحزب المعركة ضد يبرود منذ اشهر، فان الابرهيمي هو في مسعى لدى المسؤولين في طهران من اجل الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد لعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المفترضة في الاشهر الفاصلة عن انتهاء ولايته في تموز المقبل تفادياً لاسقاط الحل السلمي عبر مفاوضات جنيف 2. تبدو المهمة على تناقض كبير مع دعم لامتناه من ايران ومن موسكو ايضاً على كل المستويات من اجل ابقاء الاسد في موقعه، ولا مجال لذلك من دون تمديد ولايته مجدداً، ومكاسب يحققها على الارض ولو تدريجاً بدعم مباشر من تنظيمات حليفة لايران من العراق ولبنان تلعب دور جيشه الفعلي والواقعي الذي لا غنى له عنه من اجل تحقيق انتصاراته منذ الانتصار في القصير قبل عشرة اشهر الى الانتصار في يبرود التي ستكون منصة مهمة واضافية له اولاً من اجل اعطاء زخم لترشحه من خلال الايحاء للسوريين تخويفاً او اقناعاً بانه يمكن ان يبقى طويلاً بغض النظر عن واقع تقدمه البطيء وما اذا كان يمكنه استعادة السيطرة على مناطق اخرى ام لا مع ما يرتب ذلك من انتقال "حزب الله" الى مناطق في الداخل ابعد من الحدود اللبنانية والاثمان التي ستترتب عليه نتيجة لذلك. وثانياً من اجل تعطيل المساعي لدى الدولتين الداعمتين له وتوفير ورقة اضافية لهما من اجل المضي في الدفاع عنه ما دام يكسب على الارض مجددا ويستعيد السيطرة على مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة. فالمعركة المباشرة في الاشهر المقبلة هي معركة بقائه رئيساً ومحاولته توفير العناصر لذلك اياً يكن الثمن، فكيف اذا دعم ذلك بمكاسب ميدانية تعزز وضع.
ومع ان اعادة السيطرة من جانب النظام على يبرود ليست سياسية فحسب بل هي ذات اهداف عسكرية وامنية استراتيجية في الدرجة الاولى، فإن متابعين معنيين كثر يعيدونها الى واقع الربط الذي رغب النظام في احداثه، منذ تحول الثورة ضده الى ثورة عسكرية، بين مناطق سيطرته ومناطق سيطرة "حزب الله" في البقاع خدمة للطرفين معاً وتحسباً لما يعتبره هؤلاء المعنيون الخطة "ب" اي في حال اضطر الى الانكفاء الى مناطق نفوذ وسيطرة خالصة له عبر طرد المعارضين والثوار من مدن وبلدات تسيطر على طرق امداده وتهدد هذه المناطق، في حال ومتى فشلت الخطة "أ" الذي تسمح له باعادة السيطرة على كامل الاراضي السورية وفي حال نجاح المعارضين في التوسع اكثر كما كان الوضع قبل ربيع العام الماضي ودخول " حزب الله " الى جانبه ما سمح له بالسيطرة على القصير. ولا يبدو هذا الانتصار فعلاً بالنسبة الى هؤلاء المتابعين اكثر من فصل اخر من فصول الحرب السورية التي ستكون طويلة جداً وستشهد فصولاً متتابعة بحيث لن تبدو في نهايتها كما بدأت قبل ثلاث سنوات، والتجربة اللبنانية على الاقل شاهد على ذلك حين بدأت في 1975 بحرب فلسطينية لبنانية وانتهت في 1990 بحرب مسيحية مسيحية. الا ان هذا الانتصار في يبرود استبق فيه النظام ايضا الزيارة المرتقبة للرئيس الاميركي باراك اوباما الى المملكة العربية السعودية باعتبار ان سوريا هي احد مواضيع الخلاف بين الولايات المتحدة والمملكة في اعقاب تراجع الرئيس الاميركي عن توجيه ضربة لمواقع عسكرية لدى النظام بعد تخطيه "الخط الاحمر" حول استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه، ويفترض ان تشكل سوريا احد ابرز المواضيع على جدول البحث بين الجانبين. وما يتطلع اليه المتابعون المعنيون في هذا الاطار اذا كان انتصار النظام سيتيح لاوباما اعطاء الضوء الاخضر في خلال لقاءاته الخليجية لتسليم الدول الداعمة للمعارضة اسلحة اميركية نوعية باعتبار انه عارض حتى الآن اعطاء المعارضة اسلحة مماثلة خصوصاً ان الاسلحة الخليجية هي اسلحة من صنع اميركي ام ان الرئيس الاميركي سيبقى على موقفه السلبي الذي ينتقده عليه حتى اعضاء في الكونغرس والاعلام الاميركي ايضا.