يقول سياسي مخضرم إنّ التطور المتمثّل بالانجاز العسكري الميداني الذي حققه النظام السوري في منطقة القلمون ليس تفصيلاً بسيطاً في مسار الأزمة السورية، إذ ستكون له انعكاساته على مستقبل هذه الأزمة وعلى لبنان في قابل الايام.
يؤكد السياسي المخضرم أن هذا الانجاز معطوفاً على التقدّم الذي أحرزه الجيش السوري في الزارة وغيرها من مناطق الريف الجنوبي لحمص، قد جعل من منطقة واسعة تمتد من دمشق الى الساحل مروراً بحمص والمنطقة الوسطى تحت السيطرة الكاملة للدولة السورية، كما انه يغلق معابر يستخدمها المسلحون من لبنان وإليه بعديدهم وعدّتهم، وحتى بسياراتهم المفخخة التي يقول مراقبون عسكريون إنها «آخر العنقود» في يد المسلحين المعارضين.
والاخطر في معركة يبرود، يقول هذا السياسي، ليس فقط في كونها تُمكِّن الجيش السوري من حسم المعركة في ما تبقى من مناطق الغوطة الدمشقية، و»ترييح» العاصمة بنحو كامل، وانما ايضاً في البيان العاجل الذي أصدرته «جبهة النصرة» متهمة بعض الفصائل المسلحة بالانسحاب من يبرود بلا تنسيق، بل انها «باعَت» تلة مار مارون الاستراتيجية المُطلّة على يبرود بصفقة تفوح منها رائحة الخيانة.
ولا يستبعد هنا بعض المحللين الاستراتيجيين ان يكون بيان «جبهة النصرة» هذا منطوياً على اتهامات لقطر التي كان لها باع طويل في تمويل المسلحين وتجهيزهم وتحريضهم على الاستمرار في القتال داخل سوريا. بل يذهب هؤلاء المحللون الى القول انّ «جبهة النصرة» توحي بأنّ تسليم يبرود كان امتداداً لصفقة إطلاق الراهبات المختطفات من معلولا، وهي رسالة من قطر الى أشقّائها في مجلس التعاون الخليجي مفادها أنها «قادرة على قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، خصوصاً في سوريا».
لكنّ محللين موضوعيين يعتقدون أن سهولة معركة يبرود النسبية هي تعبير عن «حالة يأس» تنتاب كثيراً من فصائل المعارضة المسلحة نتيجة شعورها بأنّ الافق مسدود أمام مشروعها، وأنّ تخلّياً دولياً يصل الى حدود التواطؤ، بات يلوح في الافق. ويضيف هؤلاء انه اذا كانت معركة القصير قد أوقفت حدّة اندفاع المعارضين المسلّحين، فإنّ معركة القلمون قد قصمَت ظهر المشروع الذي يستهدف إسقاط النظام السوري. ولعلّ ما سمعه الموفد الاممي ـ العربي الاخضر الابراهيمي خلال زيارته لطهران قد حمل تأكيد طهران على تمسّكها بالرئيس السوري بشار الاسد وحكومته في اعتبارهما «ضمان الامن والاستقرار في سوريا».
ويقول هؤلاء المحللون ايضاً انّ الجيش السوري بعد ان يستكمل سيطرته على المواقع المتبقية في القلمون، مثل فليطا ورأس المعرة، وإحكام سيطرته على قلعة الحصن في ريف حمص الجنوبي سيُمكِّن النظام من الانتقال من مرحلة «الدفاع الاستراتيجي» التي شهدتها الاشهر الماضية الى مرحلة «الهجوم الاستراتيجي» التي سيسعى فيها الى تطهير مواقع المسلحين في جنوب سوريا كما في شمالها وشرقها. وهنا، يعتقد المحللون انّ الحكومة التركية ستقدم عاجلاً أم آجلاً على إقفال حدودها امام حركة المسلحين وامداداتهم، وهو أمر تتولّاه طهران وموسكو، ويحرص رئيس الحكومة التركية رجب طيّب اردوغان على كسب ودّهما بعدما شعر بتخلّي واشنطن عنه وباحتدام الاضطرابات داخل بلاده نفسها.
امّا الحدود الاردنية فيتوقع المحللون ان تعمد عمّان الى إغلاقها لاعتبارات كثيرة، علماً انّ التنسيق الامني بينها وبين دمشق لم يتوقف لحظة واحدة، بغضّ النظر عن مجال المناورة المتروك للعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني وحكومته في علاقتهما مع واشنطن ودوَل أخرى في المنطقة.
وهنا يسأل السياسي المخضرم: ألا تستحقّ كل هذه التطورات والمتغيرات والاحتمالات قراءة جديدة لدى بعض السياسيين اللبنانيين لكي لا يقعوا في سوء تقدير يؤدي الى خسارتهم ما بقي لهم من نفوذ في السياسة اللبنانية؟
ويقول: «إن الرئيس سعد الحريري يُظهر وعياً متميّزاً عن حلفائه لهذه التحولات، وهو يقود تياراً داخل 14 آذار يدعو الى تفاهم استراتيجي مع رئيس تكتل «التغيير والاصلاح « النائب ميشال عون بحيث يأتي هذا التفاهم به رئيساً للحكومة وبعون رئيساً للجمهورية، ويتجنّب استفزاز «حزب الله» الذي أثبتت الايام، حسب السياسي المخضرم، أنه باتَ «رقماً صعباً» في لبنان والاقليم، وحتى على المستوى الدولي، وانّ الحريري يعتمد في تحوّله هذا على احتضان غير مُعلن له يُبديه الثنائي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وهما «الطبّاخان الماهران» اللذان يجيدان التدخّل في اللحظة المناسبة لحلّ الأزمات حين تتعقّد.