قبل ايام من توصل أفرقاء الحكومة، في زحمة التنافر الى رسم وجهة البيان الوزاري التي اتعبت الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وآخرين، ردد رئيس المجلس: "الرجل الوحيد الذي ينام ملء جفنيه في هذا التوقيت هو الرئيس نجيب ميقاتي".
لا يعني هذا الكلام ان ميقاتي كان مسروراً بمشهد ترنح البيان، علماً ان وزنه زاد سبعة كيلوغرامات بعد تقديمه استقالة حكومته ويستعد للبدء بنظام حمية يعيد اليه رشاقته أكثر، مع سعيه الدائم الى الحفاظ على حيويته السياسية حتى لو لم يكن متربعاً على كرسي السرايا التي آلت الى ابن بيروت الرئيس تمام سلام.
يستعيد ميقاتي ظروف ولادة حكومته وكيف ان قوى 14 آذار فتحت النار السياسية عليه في الشوارع والمنابر من طرابلس الى بيروت وفي اكثر من منطقة وكيف سعى جاداً الى إشراك هذا الفريق في حكومته، ولم يلقَ منه في النهاية الا البعد والهجوم على سياساته، وكيف اتهموا حكومته مراراً بأن "حزب الله" يسيّرها ويحرّك وجهتها.
لا يستفيض ميقاتي في عرض الاسباب التي دفعت "تيار المستقبل" الى "التعايش" مع "حزب الله" في حكومة سلام، وإن كان يرى انه من الطبيعي ان يجلس الأفرقاء الى طاولة سياسية واحدة للحد من الأخطار التي تهدد البلاد.
لا يريد الغوص ايضاً في تذكير من يعنيه الأمر من مناوئيه بالاتهامات التي قيلت في حقه من نوع: انه جلس مع القتلة (في اشارة الى حزب الله) وسرق قرار الطائفة السنية. وكيف انهالت "عليه" راجمات الاسئلة من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب احمد فتفت وسواهما عندما نالت حكومته الثقة ولا سيما عما إذا كان سيموِّل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويسأل سريعاً عن "السقوف العالية" التي طلب منه ان يجتازها ومنها العمل على التضييق على "حزب الله" والسعي الى سحب مقاتليه من سوريا. ويصوّر الايام التي اجتازتها حكومته "بنجاح" بـ"العاصفة" التي كانت تهدد لبنان من اقصاه الى اقصاه قائلاً ان "خياري كان يستند الى نقطة اساسية هي طريقة تجاوز المرحلة الصعبة والعمل على إطفاء رزمة من الأزمات".
أين اخطأ وأين أصاب نجيب ميقاتي في حكومته؟
يتمهّل قليلاً للرد على هذا السؤال. ويقول: "الخطأ كان في الصغائر (التفاصيل) ولم أصل الى الاثم أي الكبائر. تعاطيت بروح وطنية لبنانية مع الملفات التي واجهتها ولم افرط بموقع رئاسة الوزراء، وإن كنا لم نضع خططاً اقتصادية واجتماعية كبيرة تساعد في النهوض بالبلاد بسبب مسلسل الأحداث والتطورات في الداخل والمنطقة. مررنا بالطبع بظروف صعبة وتخطيناها في النهاية بروح المسؤولية الوطنية، رغم الحملات الشخصية التي استهدفتني".
ويضيف: "ثمة من يرفض التعددية داخل طائفته. ولا اندم على الخيارات والقرارات التي اتخذتها لاني حكَّمت ضميري ووضعت مصلحة لبنان فوق كل مصلحة".
وهل صدمتك بعض الوجوه التي تعاونت معها طوال مدة تسلمك رئاسة الحكومة؟
وإن كان المقصود، وزير العدل أشرف ريفي عندما كان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. يرد ميقاتي: "لا أصوِّر هذا الامر بالصدمة، لكنني أصبحت اخاف على لبنان اكثر من هذا النوع من الناس، لا أكثر ولا أقل. وأكرر انني لن اندم على كل ما اقدمت عليه عندما كنت في سدة المسؤولية. وتاريخي يشهد عليّ، حتى عندما تسلّمت هذا الموقع عام 2005".
في المناسبة لا يحبذ ميقاتي الرجوع الى الأسباب التي دفعته الى الاستقالة، لأن هذا الامر اصبح من الماضي، ويسجل في الوقت نفسه ايجاباً لكل من تعاون معه، مطمئناً الى ان التاريخ سيشهد انه من أكثر رؤساء الوزراء نجاحاً في التعاون وإدارة البلاد مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، على رغم كل الظروف القاسية.
وأثبتت تجربته ورئيس مجلس النواب نبيه بري قدراً كبيراً من التنسيق والتعاون. وإن تخللها في بعض المرات عدم تطابق في وجهات النظر حيال عدد من القضايا. يقول ميقاتي: "شقيقي طه ميقاتي ابن امي وابي، والرئيس بري هو شقيقي السياسي، لأنه مثل موقع البوصلة. تعاونَّا معاً في الكثير من المحطات ونجحنا في تجاوزها. وكانت المخارج والاحجيات التي يقدمها ويطرحها محل أخذ ومتابعة".
ويضيف: "التعاون كان موجوداً أيضاً مع حزب الله. ولن أنسى دينامية الوزير حسين الحاج حسن الذي لا يهدأ والوزير وائل أبو فاعور أيضاً. ولا داعي للحديث عن علاقتي بالنائب وليد جنبلاط".
وينطلق من "الواقعية السياسية" التي حكمت مسار عمله وفق قواعد المنطق وعدم تجاوز الخطوط الحمر بغية جبه العاصفة والتي هددت لبنان، "وقد عملت جاهداً على التخفيف قدر الإمكان منها".
هذه الهواجس والمحطات الساخنة التي مرت بها حكومته نقل عناوينها بالطبع الى الرئيس سلام "ولا شك ان تمام بك رجل وطني ويعرف عن حق مفهوم الدولة ويسهّل الأمور من أجل مصلحة لبنان. وهو يقود حكومة في وقت صعب أيضاً".
ويؤيد ميقاتي سلام في طريقة تعاطيه وقضية البيان الوزاري ولو كان مكانه لقبل بما توصل اليه هذا البيان، ولم تكن قد وصلته الطبعة النهائية منه (مساء الاثنين). ويوافق ايضاً على "المخرج الجيد" للبيان الذي جرى في النهاية التوصل اليه وفق "اللعبة السياسية اللبنانية".