استمال حزب الكتائب الشباب إليه من خلال صورة العسكر وقوة السلاح. التوسع الكبير الذي شهده الحزب، بدأ بالانحسار تدريجياً خلال الحرب الأهلية، لينتهي به الامر منقسما على نفسه بعدها. مرحلة التأسيس الثاني قادها الوزير بيار الجميل، الذي تمكن من اعادة بعض ما خسره حزب والده وجده. برغم ذلك ظل الصيت العاطل يلاحق حزب آل الجميل. وظل خصومهم يسخرون منهم، قائلين إن نفوذ الحزب لا يتعدى بكفيا.
78 سنة مرّت على تأسيس التنظيم «الكشفي» الذي بات أحد «نجوم» الحرب الاهلية. في ستينيات القرن الماضي، امتد تمثيل حزب الكتائب من الحيز البيروتي الى مناطق الريف والاطراف. الانطلاقة الواسعة للحزب كانت خلال عهدي فؤاد شهاب وشارل حلو. أصبح بيار الجميل الجد زعيماً شعبياً، وتزايد عدد الكتائبيين. ترافق هذا التوسع مع سطوع نجم شخصيات في المناطق ساهمت في تمتين حيثية الحزب: لويس أبو شرف في كسروان، ألبير قرداحي في جبيل، جورج سعادة في البترون، جان سكاف في زحلة.
باتت لكل من هؤلاء، في منطقته، شعبية جيّرها لمصلحة حزبه. لم يكن يوم الاحد عادياً بالنسبة الى رجال بيار الجميل، «كان الحضور في الاقسام واجباً يُشبه المشاركة في القداس»، بحسب ما يُخبر أحد القدامى.
دخل الحزب، عشية انتهاء الحرب، «موتاً سريرياً»، وخصوصاً مع نفي الرئيس أمين الجميل الى باريس عام 1989، وانقسام الكتائبيين. قسم سار آخر خلف القادة الجدد، الذين توالوا على رئاسة الصيفي (الاقليم المركزي)، وآخر خلف «القيادة التاريخية»، وثالث التحق بأحزاب وتيارات سياسية أخرى سعياً وراء الحماية والخدمات، ورابع فضّل النأي بنفسه. لم يعد الحزب يمثل منافساً فعلياً لبقية الأحزاب «المسيحية». بعدما كان في المركز الأول «مسيحياً»، بات واحداً من الأحزاب الناشطة حصراً في قضاء المتن، «معقل آل الجميل». وعندما تسلم كريم بقرادوني رئاسة الحزب، جابت نحو 20 سيارة شوارع بيروت، ما دفع بأحد المسؤولين الحزبيين الى التعليق بسخرية: «هذا كل ما تملكه الكتائب»!
وبرغم إطلاق الوزير الراحل بيار الجميل، بعد 2005، «عملية التأسيس الثانية». وإعادة افتتاح المراكز الحزبية، وشد عصب المناصرين، بقيت صورة «الحزب الضعيف» راسخة في الأذهان. ولم يفلح في تغييرها احتفالان «ضخمان» نظمهما الحزب، وعدهما «نقطة تحوّل»، لايصال رسالة الى القريب قبل البعيد بأن «شعبيتنا الى تزايد». احتفال الكوادر، في نيسان 2013، الذي حضره نحو أربعة آلاف كادر، وهو «انجاز» تعتز به القيادة، علماً أن الحزب الذي يضم في صفوفه هذا العدد من الكوادر يجب أن يقابله عدد كبير من الحزبيين يتخطى الـ 50 ألفاً، اذا ما اعتبرنا أن كل كادر يمكنه، على الأقل، استمالة 15 محازباً. أما «الانجاز» الثاني، فكان حشد نحو 10 آلاف مناصر في البيال في عيد الحزب الاخير في تشرين الثاني الماضي.
هل تتخطّى حيثية الحزب الذي يمثّله خمسة نواب وثلاثة وزراء بكفيا والصيفي؟
يؤكد نائب رئيس الحزب الوزير سجعان القزي أن الكتائب «لو بدو يموت كان مات». أما «قيامة الحزب»، في رأيه، «فليست بسبب فرد، بل لأن الكتائب يمثل حالة في المجتمع المسيحي. وهو حزب يطمئن المسيحيين من دون أن يُرعب المسلمين»، من دون أن يعني ذلك أن عمل أبناء الجميل لم يُثمر، «فبيار أعاد احياء الحزب، أما سامي، فأعطاه مداه». الكتائب اليوم، بحسب القزي، «في حال تجدّد». يشير الى «طلبات الانتساب التي تصل الى المراكز الحزبية يومياً».
واستناداً الى مسؤول أحد المراكز، في قضاء كسروان هناك «نحو 3800 بطاقة مجددة»، وفي جبيل «ما بين 2000 و2500 منتسب». مسؤول إقليم جبيل روكز زغيب يقرّ بأن الحزب خسر «على مدى أكثر من سنة، عدداً كبيراً من الانتسابات، وافتقد جيلا جديدا. وفي مرحلة معينة، كان عمر أصغر كتائبي يزيد على 40 عاماً». في كسروان وجبيل «الوضع جيد جداً على الصعيدين التنظيمي والشعبي. هناك وفرة كوادر قادرين على شد الناس، اضافة الى شخصية كل من سامي خويري وروكز اللتين توحيان بالثقة»، كما يقول أحد أعضاء المكتب السياسي. بالمناسبة، كان لافتا وفد القضاءين الذي شارك في عيد الحزب.
قلعة آل سعادة البترون تضمّ نحو 2000 منتسب، «من بينهم نحو 900 بطاقة لسامر سعادة»، على حد تعبير أحد أعضاء المكتب السياسي. نائب طرابلس، ابن البترون، يؤكّد «أننا لسنا بيتاً سياسياً، بل تشكلنا ضمن الحزب»، لكنه لا يلبث أن يناقض نفسه عندما يتباهى بأنه «يوم انقسم الحزب في البترون عام 2000، ترشحت والدتي في وجه نبيل حكيم المدعوم من الحزب والقوات اللبنانية والشيخ امين، ونالت وحيدة 4000 صوت». لا ينكر أنه بعدما «كانت الساحة للكتائبيين فقط، لجأ الجيل الجديد الى أحزاب أخرى». المشكلة اليوم، في رأيه، «اعلامية لا مشكلة نشاط أو شعبية». لماذا لا يكون للحزب، إذاً، مرشحون في المناطق كافة؟ يجيب: «لأن الجميع يريد أن يشارك. اختيار المرشحين يجري باتفاق مكونات 14 آذار، من دون أن يعني ذلك ضعفنا». في باقي مناطق الشمال، «هناك انتشار حقيقي في القبيات. المصيبة أننا لم نتمكن من ايجاد رأس ينظم هذه الشعبية». في أقضية طرابلس والكورة وبشري «ما من كتائبيين».
حالة النائب نديم الجميل تطغى في بيروت. الحزبيون معه هم ورثة أبيه بشير الجميل، وهو «عرف كيف يُمسك بوضع الاشرفية»، لكن الوضع تراجع، «فقد شارك فقط قرابة 800 شخص في احتفال الحزب». صعوداً نحو عاليه، يتهم كتائبيو المنطقة النائب فادي الهبر بأنه «غير مهتم الا بأصوات الدروز انتخابيا». وهو «لا يقدم الخدمات، غائب عن السمع ويعمل لمصلحته الشخصية». شعبيا، «هم يعملون من الصفر لاستعادة الحيثية ».
عمر الكتائب في زحلة منذ الـ1978، «بالتالي الحيثية لا تنحصر فقط في المتن»، يقول النائب ايلي ماروني. المدينة «المنتصرة دائما للحزب خرّجت أول وزير، جان سكاف، أول نائب جورج عقل، وانا». بعد مرحلة لم الشمل التي بدأت عام 1996، «أصبح هناك 11 مركزا في زحلة». اضافة الى «قرابة 1300 بطاقة صدرت بين 2006 واليوم. أتحدى أن يملك أحد مثل أرقامنا». المشكلة، بحسب ماروني، هي أيضا «ضعف التغطية الاعلامية». يختلف الوضع في الجنوب «فهناك مناصرون أكثر من حاملي البطاقات». المشكلة تكمن في رميش والنبطية وجزين حيث «السكان لا يحبون الاحزاب».
تتأثر صورة الكتائب في المناطق بالخلافات الحزبية الداخلية. وبالتأكيد لن يكون إشكال نديم الجميّل – سامي الجميّل المستمر إلا «نقطة سوداء في تاريخ الحزب. فالقاعدة ستنقسم من جديد كما حدث زمن بشير وأمين»، يقول عضو «غاضب» في المكتب السياسي، مضيفاً: «ما نحن بحاجة إليه اليوم هو إعادة تنظيم الحزب وتنشيطه أكثر، واحتضان القاعدة كي تكون فاعلة».
كل هذا التفاؤل الكتائبي، الذي يفوق الاعتزاز بالنفس، لا يلغي كون هذا الحزب لا يزال ينقصه الكثير ليُثبت نفسه على الساحة الشعبية. قوة الكتائبيين الشعبية في المجالس المحلية قد تكون مثالاً على ذلك. وبين التعبئة الحزبية والأرقام الانتخابية، هل ثمة من يذكر أن رئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل سقط في الانتخابات النيابية الفرعية عام 2007، في مسقط رأسه؟