ما كاد النظام السوري يفكر بكيفية استثمار نتائج معارك القلمون التي جاءت لصالحه حتى انشغل هو ودول الجوار بالهجوم على عقر داره ونقطة الثقل العلوية في محاولة لتعديل المشهد السوري العام لا سيما أنّ النجاح في اختراق الجبهة الغربية يعني فتح منفذ للدولة الاسلامية على البحر مع ما يعنيه ذلك من فتح خط إمداد وجسر بحري يمكنها من استعادة المبادرة عشية الاستحقاقات الاقليمية التي تبدأ نهاية الشهر الجاري بالانتخابات التركية ولا تنتهي مع تلك السورية مرورا بالصراعات الدولية حول القرم ومنابع النفط ومعابرها.
وبمعزل عن نتائج الهجوم على كسب، فلا شك أنّ الضربة التي وجّهتها المعارضة أوجعت النظام في زمانها ومكانها وإن لم تكن قد أصابت مقتلا فيه أقله حتى الآن، خصوصًا أنّ التحضيرات الميدانية كانت ممتازة للغاية وتنمّ عن خبرات إستراتيجية ما يدفع إلى التأكيد بأنّ وراء الهجوم أكثر من دولة وأكثر من جهاز وأكثر من مموّل في ظلّ حقيقة لم ينكرها أحد وهي أنّ الهجوم جاء عبر الأراضي التركية وبتسهيل من قياداتها العسكرية والسياسية وما تهنئة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لسلاح الجو التركي إلا الدليل القاطع على علم الساسة الاتراك بكل ما يحدث.
ومن هنا، يعرب المتصلون بالعاصمة السورية عن قلق النظام المتزايد من التطورات المرتقبة، فتركيا وحكومة أردوغان بحسب هؤلاء تلعبان ورقتهما النهائية والأخيرة في محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تحقيق أهداف ميدانية مباشرة لمصلحة المعارضة لتوظيف التداعيات في الانتخابات التركية لمصلحة أردوغان المتورط بالأزمة السورية منذ اندلاعها بالرغم من أنه حصد أكثرية محدودة في الانتخابات الاخيرة مستندًا إلى شعار صفر مشاكل مع الجيران، والثاني تشتيت تحضير النظام لمعركة حلب التي صارت في حكم الساقطة في يد النظام بإعتراف جماعة المعارضة وبدليل إعادة تشغيل مطار حلب الدولي واستخدامه في رحلات داخلية. ويشدّد هؤلاء على أنّ النظام لن يسمح باختراق عرينه وخزانه البشري لعدة اعتبارات أبرزها الحفاظ على العصب العلوي والمعنويات العسكرية التي ارتفعت إلى أعلى الدرجات بعد الانجازات المحققة في القلمون وحمص والغوطة الشرقية، فضلا عن إصرار الرئيس السوري بشار الأسد على إجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها وبمشاركة مدينة حلب بعد تحريرها من الوجود المعارض.
في هذا السياق، يتوقف هؤلاء عند الخطوة التركية الجريئة وغير المحسوبة وما إذا كانت وليدة قرار داخلي أم أنها استجابة من جانب حكومة أنقرة لضغوط أميركية سعودية عربية مشتركة، حيث يرجّحون الفرضية الثانية، ما يدفع إلى طرح سؤال يتمحور حول ردّ النظام وما إذا كان سيكتفي برد الهجوم واستعادة ما فقده من مواقع عسكرية واستراتيجية أو أنه سيردّ بطريقة ثانية على غرار نقل أرض المعركة إلى تركيا والعودة إلى تحريك موضوع لواء الاسكندرون التركي العلوي النائم في الأدراج، لاسيما أنّ أيّ ردّ سيكون مدعومًا روسيًا لأسبابٍ غير خافية على أحد على اعتبار أنّ سوريا بالنسبة لها لا تقلّ أهمية إستراتيجية عن القرم في ظل اعتبار جغرافي يتمّ العمل على أساسه وهو أنّ الساحل السوري مفتاح للمياه الدافئة الزاخرة بالغاز والنفط، وبالتالي فإنّ المحور الروسي الإيراني السوري مدعومًا من الصين لن يقف مكتوف الأيدي تجاه أيّ محاولة لتغيير قواعد اللعبة ولن يسمح للمحور الداعم للمعارضة باستعادة المبادرة.