حين تأسّست "حركة المقاومة الإسلامية – حماس" عام 1987 ، نادت بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وشكلت الممثل لجماعة "الاخوان المسلمين" في فلسطين. اليوم، وبعد مضي 27 عاماً على تأسيسها، تمرّ بفترة قد تكون الأصعب نظرًا لما تواجهه من ضغوط داخلية وخارجية بدأت منذ خروجها من سوريا، وقد لا تنتهي بحظر نشاطها في مصر.
عانت "حماس" من مشاكل عديدة منذ لحظة نشوئها، فهي وُلدت لتحرير فلسطين ومواجهة المحتل الإسرائيلي، إلا أنّ الانقسام الفلسطيني أولا ثمّ انحيازها كطرف بما يجري في العالم العربي ثانياً قد يكونان الأخطر على الحركة، خصوصا ما جرى في العامين الماضيين في سوريا ومصر، فأين هي "حماس" اليوم في الخريطة السياسية العربية؟
مع بدء الأزمة السورية حاولت "حماس" الوقوف على الحياد، ولكنها سرعان ما أعلنت وقوفها ضد النظام السوري، وقد تجلى هذا الأمر بخروج قيادتها من دمشق نهائياً في الأيام الأولى لعام 2012 بعد طلب تركي-قطري، وظهور رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في كانون الاول عام 2012 رافعاً علم "الثورة السورية" في المهرجان الذي أُقيم بمناسبة الذكرى الـ25 لانطلاقة الحركة في غزة. أما في مصر فالوضع لم يكن أفضل بالنسبة لـ"حماس" التي "ثملت" بانتصار "الاخوان المسلمين" في انتخابات مصر ووصول محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية، لتعود وتستيقظ على "انقلاب" نفذه الشعب المصري بالتعاون مع الجيش أدّى لسجن مرسي واعتبار تنظيم "الاخوان المسلمين" تنظيمًا إرهابيًا وحظر أنشطتها وإغلاق مكاتبها في مصر.
في سوريا، تعاظم تورط "حماس" بالأحداث العسكرية إلى جانب المعارضة السورية، حسب ما تكشف مصادر مطلعة لـ"النشرة"، معتبرة أنّ مشاركة عناصر منها بالحرب على النظام السوري لم يأت على خلفية قرار رسمي واضح من مسؤولي الحركة. وتشير المصادر إلى أنّ بصمات "حماس" تبدو واضحة داخل مخيم اليرموك في سوريا، مشيرة إلى أنّ عددا من المجموعات المسلحة الموجودة داخل المخيم تابعة لفلسطينيين حمساويين.
وتؤكد المصادر ما قيل سابقا عن تورطها بمساعدة المعارضة السورية على حفر أنفاق داخل سوريا، معتبرة أنّ هذه الخبرة التي اكتسبتها الحركة من ايران وسوريا و"حزب الله" استعملتها ضدهم. إلا أنّ المصادر نفسها تؤكد وجود تحولات جذرية بسياستها بعد سقوط حكم الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، والحظر المصري عليها والضغط السعودي على "الاخوان المسلمين"، معتبرة أنّ هذا التغيير ظهر جلياً من خلال زيارة مسؤول العلاقات الدولية في "حماس" أسامة حمدان لإيران، وكذلك زيارة الامين العام لحركة "الجهاد" رمضان عبد الله شلح لها، إضافة إلى القصف الأخير الذي قام به تنظيم "الجهاد الاسلامي" على اسرائيل. وتختم المصادر حديثها بالتأكيد على أن التغيرات في المنطقة تجري بشكل سريع وبأن الميدان السوري هو من سيرسم خريطة التحالفات المقبلة، لافتة إلى أنّ "حماس" بدأت رحلة العودة إلى الحضن الايراني.
إلى ذلك، نفت مصادر مقربة من "حماس" كل ما يشاع عن مشاركة الحركة رسميا في الازمة السورية، معتبرة في حديث لـ"النشرة" أنّ المقاتلين الفلسطينيين الذين يشاركون هناك انّما يتحركون بناء على توجهات خاصة فيهم وليس للحركة اي علاقة بهم. وتضيف أنها حاولت منذ بدء الازمة الوقوف على الحياد، واصفة العلاقة مع إيران بالممتازة.
في هذا الاطار، تواجه "حماس" ظروفاً صعبة ومعقدة دون ادنى شك، الا انها وحسب القيادي في الحركة في قطاع غزة والنائب الفلسطيني يحيى موسى، مرت بمثل هذه الظروف الصعبة وتعاملت مع مشاكل مشابهة، معتبرا ان ما يخفف من كل ذلك هو الحاضنة الشعبية للحركة اي الشعب الفلسطيني الذي يحتضن ثورته ويحتضن المقاومة.
ويضيف موسى في حديث لـ"النشرة": "ما دام الشعب هو الحاضنةفإن الحركة يمكن أن تتغلب على هذه الظروف بسهولة، أما بالنسبة لما حدث في سوريا وما تبعه من ردة فعل مع إيران وحزب الله فإن الامور تسير في اتجاه تجاوز كل الآثار السابقة والعلاقة تعود بشكل جيد مع ايران والاطراف المختلفة".
ويرى موسى ان علاقة "حماس" بسوريا تحتاج الى المزيد من الوقت كي تتحسن لان هذا الملف قد دخل في تعقيدات كثيرة، مؤكدا ان الحركة لن تنحاز الى اي طرف. ويضيف: "اما في ما يتعلق بمصر، فمصر اليوم هي دولة مختطفة من قبل الانقلاب، وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن ظروف طبيعية في مصر"، لافتا الى ان هذه الفترة صعبة في تاريخ الامة وستنتهي وسيعود الشعب المصري ليصحح اوضاعه، وستبقى فلسطين في النهاية بوابة مهمة جداً لمصر. ويقول: "نحن على قناعة أنه في المستقبل لا يمكن أن تستمر هذه الأوضاع الشاذة، والذي يقرأ ما يجري في مصر من دمار وحالة انكفاك وازمات تتصاعد، ستصل في النهاية الى النقطة الحرجة التي تعيد الأمور الى الشعب بحيث يكون هو سيد نفسه وسيقرر في كل الامور حتى تحكم الديمقراطية في مصر".
ويجزم موسى بأن جميع التحولات العربية ستصب على المدى البعيد في صالح القضية الفلسطينية رغم كل ظهر حديثا من قوى شر وقوى ثورات مضادة، وقوى انظمة فاسدة تحاول ان تحافظ على مصالحها بكل الطرق غير الشرعية. ويضيف: "الشعوب في النهاية تصحح اوضاعها، وهذا ما حدث في اوكرانيا وفرنسا واميركا الجنوبية"، معتبرا ان أي انقلاب لا ينتصر في فترة صغيرة ولا يثبت أركانه هو فاشل بحيث يصل في النهاية إلى اللحظة الحرجة التي ينهار فيها وستكون لصالح الشعب، فقوة الشعوب هي أقوى من كل الطغيان حسب تعبيره.
لا شك ان العالم العربي يمر بمخاض عسير تتبدل معه التحالفات والتفاهمات يوميا، وبالتالي ان اكتمال المشهد السياسي لن يحصل قبل فترة من الزمن قد تحمل معها الكثير من المفاجآت سواء في فلسطين ولبنان وكل الدول العربية وحتى الغربية.