36 موجباً للاعتراض على إقرار سلسلة الرتب والرواتب، قدّمها أمس رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشمّاس، باسم هيئات أصحاب العمل. المهمّة الوحيدة لهذه البنود الاعتراضية هي حماية مصالح أصحاب العمل من خلال الإبقاء على النظام الضريبي الحالي بما يوفّر لها من منافع وأرباح كبيرة وسهلة.
هي اعتراضات تأتي في سياق السجال الدائر بين منطقين: منطق «الإقرار يضرب الاستقرار» الذي تقوده الهيئات، ومنطق الأساتذة وموظفي الدولة بعنوان «الإقرار هو حقّ مكتسب». أين الاقتصاد فعلاً من هذين المنطقين؟
«سلسلة مشروعة وتمويلها مذبحة». هذا هو الموقف المعلن لما يسمى الهيئات الاقتصادية تجاه السلسلة. قد يظنّ أي قارئ، إن الهيئات متعاطفة مع أصحاب الحقوق لكنها تخاف من كارثة مقبلة أو زلزال بقوة 7 درجات يطيح اقتصاد لبنان. غير أن ما تستند إليه هذه الهيئات هو أضيق بكثير من حسابات المصلحة العامة، أو على الأقل هذا ما يمكن قراءته في البيان.
الهيئات لم تفسّر «مشروعيّة» السلسلة بوصفها حقّاً من حقوق الأساتذة وموظفي القطاع العام، بل اكتفت بترداد عبارات التشاؤم والقلق من خيبة منتظرة وانتقدت الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب واللجنة البرلمانية واللجان المشتركة وسواها... فمرّة تحدّثت الهيئات عن إهمال الدولة للاقتصاد وأوضاع المؤسسات المأسوية، ومرّة أشارت إلى «وقائع جيوسياسية وأمنية ومالية واقتصادية متراجعة بصورة حادة». يصعب تفسير كلام الهيئات «الكبير جداً»، ولذلك قرّر شمّاس أن يفسّر مقاصدها في 36 بنداً تعرض ما تدّعي أنه «أسباب جوهرية» لاعتراضاتها على مصادر تمويل سلسلسة الرتب والرواتب.
أول بند اعتراضي على مصادر تمويل السلسلة، هو وجود مجلس نيابي ممدّد له. وثاني بند يقارن بين عدم إقرار مجلس النواب موازنة عامة وسعيه في الوقت نفسه إلى تحريك ملف سلسلة الرتب والرواتب، فيما تنام مجموعة واسعة من مشاريع القوانين تفوق قانون السلسلة «لجهة الانتظام الاجتماعي والاقتصادي»... ثم انبرى شماس يتحدث عن صلاحيات اللجنة الفرعية التي ألفها مجلس النواب لدراسة مشروع السلسلة، فانتقدها على «إعادة صياغة المشروع بدلاً من ردّه إلى السلطة التنفيذية». ويشير شمّاس إلى أن اللجنة الفرعية «ضربت عُرض الحائط بنصائح وإرشادات المؤسسات النقدية المحليّة والمنظمات المالية الدولية، التي كانت قد أدلت بها أساساً في أجواء أقل تأزّماً بكثير مما هي عليه اليوم». والمفارقة أن شمّاس عاد سريعاً إلى مدح أعمال هذه اللجنة الفرعية التي «فضحت ارتجالية الحكومات السابقة». ولم يلبث أن عاد شمّاس إلى شنّ هجوم شرس على اللجنة التي «سخت بعطاءات مالية لا قدرة للاقتصاد الوطني على إفرازها إطلاقاً»... وتحدّث أيضاً عن «الهدر والفساد والتهرّب الضريبي...».
وأعربت الهيئات عن قلقها من ترجيح كفّة القطاع العام كلياً على حساب القطاع الخاص. هذا يعني أن الهيئات قلقة من أن يطالب القطاع الخاص بزيادة رواتبه بعد حصول القطاع العام على زيادات أساسية على رواتبهم. لكن المفارقة أن الهيئات تعتقد أن نتيجة هذا الوضع هو «انقلاب في موازين إعادة توزيع الثروة الوطنية بمعناها التقليدي، إذ إن تحويل الموارد المالية الذي سينجم عن تطبيق السلسلة سيأخذ من الفئات الأكثر هشاشة اقتصادياً ليعطي الفئات الأكثر أماناً اجتماعياً».
كلام شمّاس باسم الهيئات لا ينتهي. لكن الفقرة الأخيرة بالذات، تستحق التوقف عندها؛ لو كان قلب شمّاس على الفئات الأكثر هشاشة، لوافق على إقرار ضريبة الربح العقاري التي تأخذ من الريوع، أي الفئات التي تحقق أرباحاً من دون أي عمل، وهي الفئات الأكثر ثراءً من بين أصحاب العمل والثروات، ليمنح الفئات المهمّشة أماناً اجتماعياً.
في رأي الوزير السابق جورج قرم، إن إقرار السلسلة لن تكون نتائجه سلبية، بل إيجابية على عكس ما تدعي الهيئات، فهذه الزيادات على الرواتب ستدعم القدرات الشرائية لفئات واسعة من المجتمع اللبناني وتحفّزها على زيادة الاستهلاك. «أنا مع إقرار السلسلة، لكن مع تقسيطها على 3 سنوات أيضاً... لكن الأمر يمثّل مناسبة لإعادة النظر بالنظام الضريبي وإقرار ضريبة على الأرباح العقارية. كل ما يثار من كلام هو مجرّد تهويل تنقضه الكثير من المؤشرات الأساسية. ففي ظل الأزمة الأمنية والسياسية في لبنان نرى أن نسبة إشغال الفنادق تصل إلى 50%، أما حركة بيع السيارات فلم تنخفض ولم تتقلص حركة المرفأ ولا حركة المطار».
في المقابل، يعتقد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، أنه لا يمكن زيادة العبء الضريبي في ظل نسبة نمو تبلغ 1%، فأي زيادة من هذا النوع ستكون لها تداعيات سلبية مضاعفة. «نحن نحذّر من زيادة العبء الضريبي، ونشجّع على تحصيل الحقوق المهدورة، سواء كانت تابعة لإدارات المياه والكهرباء والأملاك المبنية والدخل، أو التعديات على الأملاك العامة... نحن في فترة ركود اقتصادي وتدهور لا يمكن زيادة الاعباء الضريبية فيها».