قبل أن ينتهي هذا الأسبوع سيكون الدكتور سمير جعجع وضع حلفاءه في قوى 14 آذار كما خصومه أمام أمر واقع جديد . سيعلن ترشيحه رسمياً لرئاسة الجمهورية بقرار تتخذه الهيئة التنفيذية في حزبه "القوات اللبنانية"، على أن يعلن برنامجه في احتفال سياسي واسع. هكذا خلافاً للتخمينات وللانطباعات الأولية، إليكم هذا الخبر: ترشيح جعجع جدي.
لا يلوّح رئيس "القوات" بالخطوة الجريئة على سبيل مناورة ولا لإبعاد منافسه في كل مكان العماد ميشال عون مرة أخرى وأخيرة عن قصر بعبدا. يا لها ورطة تنتظر قوى 14 آذار ومن يناصبونها العداء على السواء! كان المفترض أن يستثمر الرجل فرصة لاحت بحلول الاستحقاق الرئاسي من أجل تحسين موقعه وصورته ويكتفي بهذا القدر من الربح. لكنه يرى الأمر من موقع آخر. يتطلع إلى المسألة أولاً من زاوية تصحيح ميزان القوى في الصراع مع "حزب الله" ومن خلفه، على قاعدة أن الشرعية هي الأقوى بشرط أن تصدق نفسها طبعاً كما بدأت تفعل في طرابلس، وثانياً من زاوية تصحيح مسار سلكته 14 آذار ولم يوصل، وإذا استمر متقدماً في النفق فلنْ.
بعقل سياسي دؤوب يخيّط جعجع الورطة ، يحضّرها بسهر على التفاصيل. عقل لا يعرف الملل من الحركة النضالية وتحريك المياه الراكدة، والسجاد والبلاط أيضاً تحت أرجل الآخرين. لا لنفسه يريدها، يقول مؤيدون لترشيحه في التحالف وآخرون محيطون به. أطباعه لا تتحمس لمعركة ذات أهداف شخصية. هو دائما يضع الصراع في إطار كبير، وما حصل أن فرصة الرئاسة لاحت في ظل اختلال في ميزان القوى لا يمكن تصحيحه إلا بطريقة من اثنتين: أخذ الرئاسة إلى 14 آذار او مواجهة غير سلمية مع الحزب المسلح. الخيار الثاني ساقط ومرفوض ولا عودة إلى أسلوب العنف في قاموس تحالف "انتفاضة الإستقلال" ولا عند حزب "القوات". لم يبق إلا خيار وحيد، أن تخوض 14 آذار الإنتخابات بأقوى من عندها.
المعادلة هذه تضع الحلفاء أمام محك مفصلي . إذا كانت 14 آذار قادرة على إيصال رئيس فيمكن أن توصله ضعيفا أو قوياً. ولا يصلح لهذه المرحلة إلا الأقوى بمعنى من يمتلك إرادة بناء الدولة بلا مساومة. الدولة الجدية تحتاج إلى رجال دولة لا يفرفكون أيديهم عند كل مشكلة بل يشهرون سلاح القرار ، وموقع رئاسة الجمهورية لم يصبح غير ذات أهمية كما روّج العماد عون والمتأثرون به طوال العقدين وأكثر منذ وضع "اتفاق الطائف".
لاحت الرئاسة إذاً، والفوز بها يحقق التوازن الإستراتيجي المنشود. أي سلوك سوى ذلك حيال هذا الإستحقاق يعني فقداناً للرغبة في الصراع والمقاومة والنضال. الحلول الوسط أحياناً قاتلة للقضايا المحقة، ولطالما خضعت للتجربة في لبنان ولم توصل إلى النتيجة المتوخاة. النتيجة كانت مزيداً من التخدير وتطويل الأزمات.
ثم إن 14 آذار تملك عددا لا بأس به من الأصوات تمكنها من البناء عليها لتوصل مرشحها إلى بعبدا ووضعها أفضل من التحالف المضاد المقابل والذي لن يستطيع الإفلات من تأييد الجنرال عون لا غيره في نهاية المطاف. ورغم التاريخ الذي يجمع ويفصل بين الرجلين تتقبل طائفتهما وصول أحدهما إلى الرئاسة لعله يعيد ألقها ودورها. من جهة أخرى يقول سياسيون ينظرون لترشيح جعجع ان رئاسته هي الضمان لمنع فتنة سنية – شيعية التي يكثر الحديث عنها منذ مدة لأنه سيكون الرئيس المسيحي القوي.
بالطبع يسمع جعجع تحذيرات وتحليلات لا تجاري شراع سفينته، لكن بعض هذه التحليلات يسقط فوراً، مثلا القول بأن "تيار المستقبل" يحتمل أن يؤيد ترشيح الجنرال عون تبلغ نسبة وروده صفراً وإلى يمينه صفران. أما الدول المهتمة بلبنان – غير إيران وسوريا- فصحيح أنها تميل إلى الهدوء السياسي وتمديده وتفادي المواجهات، ولكن إذا احتدمت المسألة فلا بد أن تجد نفسها معنية بالوقوف مع من تتوافق معهم ذهنيا وسياسيا. الأهم هو وضع 14 آذار. إنها أمام فرصة أن تربح كل شيء أو تخسر وجودها!