وُضعت اللمسات الأخيرة على زيارة مقررة للنائب ميشال المر الى الرابية للقاء حليفه السابق النائب ميشال عون. الزيارة التي يتردّد أنها «قريبة جداً» تأتي بعد خمسة أعوام من القطيعة، ويفترض أن تكرس معادلة متنية جديدة

أثلجت الصورة الدافئة قلوب كثيرين. خطوات النائب ميشال المر قادته، خلال جلسة إعطاء الثقة للحكومة، نحو وزير الخارجية جبران باسيل ووزير التربية الياس بو صعب. أرخى المرّ كفه في كف باسيل وقبض بودّ على كف بو صعب. قبل ذلك، كان بو صعب والنائب نبيل نقولا يحتفلان، مع رئيسة اتحاد بلديات المتن ميرنا المر، بافتتاح ثانوية انطلياس.

يومها حرص وزير التربية على التنويه بجهود «أبو الياس» لإنجاز هذا المشروع. وكان الوزير والنائب العونيان قد زارا الأخير، بإيعاز من الرابية، لدعوته الى حفل الافتتاح والتنسيق معه. وبعد الاحتفال بخمسة أيام، خطفت طاولة رؤساء «بلديات المر»، في العشاء السنوي للتيار الوطني الحر السنوي، الأضواء من كل الطاولات الأخرى.

الواضح أن ثمة مياهاً غزيرة تجري في قنوات العلاقة بين الرابية والزعيم الأرثوذكسي. والواضح، أيضاً، أن «أبو الياس» سيخطف أنفاساً كثيرة خلال لقائه النائب ميشال عون. اذ يقول المطلعون على هذه الزيارة التي باتت قريبة جدا، إنها «تحمل اتفاقا ضمنيا حول الانتخابات الرئاسية». وكان المر قد لمح الى ذلك عقب اجتماعه باللجنة النيابية المكلفة مناقشة الملف الرئاسي، فأشار الى استعداده وحفيدته (النائبة نايلة تويني) للاقتراع لـ «صديقي» عون في حال كان ترشحه جدياً. ويصعب على صفقة كهذه، ان نجحت، ألا تعيد انعاش التحالف القديم الذي أفسدته الانتخابات الرئاسية السابقة. يملك الثمانينيان اليوم ما يجمعهما سوياً أكثر من أي وقت: ضمان «مستقبل» زعامتيهما عبر انتقاء وريثيهما بنفسيهما. لذلك يحرص المر، وفقاً لعارفيه، على ضمان ترشيح ميرنا وفوزها بطبيعة الحال. وهو ما يستحيل تحقيقه فعلياً من دون حجز مقعد لها على اللائحة البرتقالية، الى جانب الأرثوذكسي الآخر بو صعب. وفي هذا السياق، يؤكد القريبون من المر أنه يخطط لادارة ماكينة ترشيح ابنته بنفسه، وأن الاستحقاق المقبل هو نقطة فاصلة في الحياة المتنية... وحياة العمارة.

لم تحافظ علاقة عون ــــ المر يوماً على استقرارها. غرام 2005 النيابي تلاه انتقام عام 2008 وفي انتخابات 2009 النيابية، فغرام وانتقام في انتخابات 2010 البلدية. ومنذ ذلك الاستحقاق، بات واضحاً انقسام العونيين في المتن الشمالي الى محورين: واحد يسعى للتحالف مع المر يتقدمه النائب نبيل نقولا. وآخر يؤثر محاربته وعدم مقاسمته الربح، يتقدمه النائب ابراهيم كنعان، فيما يتحكم رئيس التكتل بخيوط المحورين. توطدت علاقة الفريق الأول سريعاً بالعمارة ورؤساء بلدياتها ورئيسة الاتحاد، فيما لا يمر يوم إلا ويوسع الفريق الثاني خلافه مع هؤلاء. وذلك يفسر، مثلاً، زيارات نقولا الدورية لـ «أبو الياس» وتنسيقه الدائم مع رجاله وسرعة تلبية الاتحاد والبلديات لخدمات بعض العونيين. وقد ساهم هذا الجو الايجابي أخيراً في عقد صلحة عونية مع رئيس بلدية الزلقا ميشال عساف المر، بعد خلاف دام نحو عامين.

يقابل ما سبق حرب باردة بين كنعان والمر على المستوى الشخصي والخدماتي، تُلمس تردداتها في ديوان المحاسبة. إذ يسعى الرجلان الى تسجيل النقاط ضد بعضهما بعضاً، ، آخرها عدم تلبية رؤساء بلديات المر دعوة الرابية الى اجتماع نظّمه كنعان حول مشروع للصرف الصحي. علماً أنهم حضروا، في اليوم التالي، العشاء السنوي للتيار، ويواظبون على زيارة عون ولقاء بعض نوابه باستمرار!

بوصعب وميرنا المر أرثوذكسيا اللائحة البرتقالية في المتن

على المقلب الآخر، تعتمد خطة كنعان على استمالة قاعدة «أبو الياس» الشعبية والخدماتية، أي رؤساء البلديات والمدراء العامين وموظفي الادارات العامة. وهنا تكمن المشكلة الرئيسية: يطمح كنعان الى تزعم المتن على غرار «أبو الياس» ويصر على تظهير الصراع وكأنه صراع بين قطبين سياسيين؛ فيستفز المر الذي يسارع الى اقفال أبواب العمارة في وجهه. لكن المفارقة أنه غالباً ما يمكن الوقوع في جريدة «الجمهورية» التي يملكها الوزير السابق الياس المر (ومركزها العمارة) على مقال يحمل توقيع كنعان. علماً أن الجريدة ذاتها تعمدت سابقاً تحجيمه عبر اظهاره في صورة كاريكاتورية مسيئة.

في موازاة كنعان ونقولا، يأتي النواب ادغار معلوف، سليم سلهب، غسان مخيبر ووزير التربية الياس بو صعب. حافظ معلوف وسلهب على علاقة أكثر من جيدة بالمر عبر عدم مبادرتهما الى الأكل من صحنه. فيما لا علاقة فعلية بينه وبين مخيبر، اذ يعتبر الزعيم البتغريني أن الأخير لم يرد له جميل «صنع نيابته الأرثوذكسية» عام 2002. رغم ذلك يمكن رؤية مخيبر في اتحاد البلديات مبتسماً! أما بو صعب، فوضعه استثنائي كونه ينشط في الجرد، ملعب «أبو الياس» الرئيسي. الا أن المفاجأة تكمن في صداقتهما المتينة التي لم تضعضعها نية الوزير الأرثوذكسي الترشح مستقبلاً، ربما في وجهه. في المجالس الضيقة والعلنية، لا يكف الأرثوذكسيان عن مغازلة أحدهما الآخر، وليس مستبعداً أن يكون بو صعب نفسه مهندس زيارة المر المرتقبة للرابية.

يحرص عون على التحدث بعدائية عن حليفه السابق المر، ربما لإبقاء عصب قاعدة التيار مشدوداً. الا أن أجواء التيار تؤكد حرارة التواصل بينهما مع الإبقاء على فسحة لمحاربته عبر كنعان. يتقن «أبو الياس» لعبة عون نفسها: يكسر من جهة ويجبر من جهة أخرى. يؤكد أن العلاقة بينهما لم تنقطع يوماً، ويبادر بعدها الى حصر أسباب الخلاف بـ «شطحة عون مع أصحابي (أي السوريين) أكثر مني. ومسيحيو المتن الشمالي لا يسرهم ذلك على الاطلاق». يصعب على من يدورون في فلك الاثنين تصديق هذه العداوة، خصوصاً أن صداقة عائلية مميزة تجمع ابنتيهما ميرنا المر وكلودين عون، سرعان ما توسعت لتشمل كل بنات الجنرال وأزواجهن. وليس عون والمر ديمقراطيين في هذا السياق طبعا، ولا يبدوان كمن لا يستطيع التحكم بروابط عائلتيهما. ويوضح ما سبق مدى انخراط ميرنا في جو التيار، ويعزّز فرضية ترشّحها مستقبلاً على لائحته.

تجدّد تحالف المر وعون سيعني القضاء على طموح كثيرين ممن استفادوا من خلافهما. أبرز هؤلاء حزب الكتائب الذي يبدو أن لا خيارات فعلية أمامه سوى الانضمام الى الصفقة معهما، ولو سراً، لأن الكتائبيين لا يرغبون، حتماً، بتكرار تجربة العام 2007.

الوزارة لإلياس والنيابة لميرنا

أزال الوزير السابق إلياس المر عبئاً ثقيلاً عن كاهل والده النائب ميشال المر، حين تسلم رئاسة «مؤسسة الإنتربول من أجل عالم أكثر أماناً». لطالما همس «أبو إلياس» في أذن الغيارى على مستقبل إلياس: «أورثته الوزارة، لكن لا أستطيع أن أورثه النيابة». فإلياس، رغم صلاته القوية بتيار المستقبل وقوى 14 آذار، يفتقر إلى «البروفيل» النيابي الذي يُبنى بالتفاعل مع الناس وبالخدمات. ويقول عارفوه إنه لا يتقن الاثنين ولا يحبذهما أبداً. وقد سرت شائعات كثيرة فور تركه الوزارة عن ترشحه في المتن مكان والده أو حتى في الأشرفية، إلا أنها بقيت مجرد شائعات. كان الأب يدرك جيداً أن لا مكان للابن في متنه. ولكن ما كان يبقي على طموح الياس النيابي هو اقتناعه بطيّ القوى السياسية والدولية لصفحته الوزارية. لذلك حاول التقرب مجدداً منها، وربما من الرأي العام، عبر إعادة إحياء جريدة «الجمهورية». ولكنه لم يجد من يتبناه فعلياً، فأدرك هنا أيضاً صعوبة مهمته النيابية. أخيراً «اخترعت» له علاقاته الأميركية القوية مؤسسة جديدة ليرأسها، منبثقة من الإنتربول.

وهكذا عاد إلى الواجهة السياسية، فتنفس والده الصعداء. الآن فقط يمكنه التفرغ لتسليم ابنته ميرنا مفاتيح العمارة. فرئيسة اتحاد بلديات المتن، خلافاً لشقيقها، نافذة اجتماعياً وتتربع على أكبر منبع للخدمات في المتن الشمالي.