برزت في الأيام الأخيرة تطورات لافتة في الميدان السوري تمثلت في تقدم سريع للجيش السوري في عدد من المناطق التي يعتبر موقعها استراتيجيا في مسار المعارك الدائرة هناك منذ ثلاث سنوات. هذه الانجازات العسكرية في منطقة القلمون وريف حمص الغربي وقبلها في القصير وبابا عمرو لا يمكن فقط قراءتها من زواية المرونة والقدرة لهذا الجيش على استعادة زمام المبادرة والانطلاق من الدفاع الى الهجوم. الفكرة الاساسية التي يمكن استخلاصها بعد ثلاث سنوات من معارك اشترك فيها عدد كبير من الملل والشعوب وتنوعت فيها الاسلحة بين شرقية وغربية وظهرت فيها المدارس العسكرية المختلفة هي أنّ الجيش السوري أثبت أنه قادر على استثمار كلّ هذه التجارب والبرهنة أنّ الطاقات السورية هي طاقات كبيرة جدًا وهي استطاعت إقامة مظلة كبيرة من التنسيق الأمني والدفاعي على مساحة واسعة من الاراضي السورية، فالعمليات التي نفذها الجيش في العمق أخذت دورها في إحباط الأعمال الهجومية للخصم وجعلت الميدان كله ساحة معارك واحدة تتناغم وتتزامن وفق التوقيت الذي تراه قيادته المركزية مناسبا، كما أنها استطاعت مع الوقت تحويل القوى المعارضة الى قوى منسحبة تنهار قوتها بوتيرة متسارعة.

لقد كانت هزيمة المعارضة أمام الجيش السوري هي من داخلها قبل أن تكون من الخصم نفسه، فهي فشلت بسبب تصرفاتها الارهابية والمذهبية الخطيرة في قلب موزاين القوى الشعبية لصالحها فلجأت الى اسلوب التضليل الاعلامي بقصد الايهام ان هناك التفافا شعبيا ضخما حولها، أضف الى ذلك قيام مسلحيها بعمليات تخريب ممنهجة للمنشات الحيوية مثل المدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية، ما طرح السؤال الكبير عند الشعب السوري: عن أيّ ثورة يتحدث هؤلاء؟

لقد كان تهافت المعارضين على تشكيل الكتائب والسرايا المسلحة بتسميات مختلفة بهدف استغلال الدعم المادي الخارجي سببا في انزال افدح الخسائر بها، فاستعمالها اسلوب تجميع القوى والحشد في مواجهة جيش يتفوق عليها عدديا وتسليحيا ولوجستيا أمرًا مميتا بالنسبة لها. لقد كان أيضا للمال الموزع على قادة المعارضة اثر في تعميق الخلافات والانقسامات بين المعارضين انفسهم الذين استفاق الكثيرون منهم على ان المال الخليجي لاينفق الا الجزء اليسير منه على تطوير القدرات العسكرية والباقي يذهب الى تلبية امور شخصية لقادة المسلحين. كما ان المعارضة فشلت في كل مراحل معاركها مع الجيش السوري في تدمير مراكز تجمعاته الرئيسية وقطع طرق مواصلاته الاساسيية وخاصة طرق القوى المدرعة، فنجاحها في اختراق عدد من مواقعه لم يكن يمنعه من التقاط انفاسه مجددا والقيام بهجومات انقاذية سريعة.

لم تلجأ المعارضة الى اسلوب حرب العصابات الذي ينهك الجيوش التقليدية ويحرمها طعم الراحة في الليل والنهار والسبب في ذلك انها تفتقد الى الحاضنة الشعبية في معظم المناطق التي سيطرت عليها والتي تؤمن لمقاتليها التخفي في بيئتهم بعد تنفيذ عملياتهم. اللافت ان الحاضنة الشعبية كانت في هذا المشهد في صف الجيش وبرز ذلك من خلال تقديم سكان الاحياء والقرى والبلدات له المعلومات عن المسلحين خلال اطلاقه عمليات المطاردة ضدهم اضافة الى الاقبال الكثيف على التطوع في قوات الدفاع الشعبي من قبل الشباب السوري من الجنسين.

ولأن لكل حرب هدفاً سياسياً تخاض من أجله العمليات العسكرية في الميدان، وقديماً قيل "ان الحرب هي جزء من العمل السياسي باسلوب عنيف لذلك قبل خوض اي حرب يجب معرفة الهدف السياسي"، فإنّ المعارضة السورية فشلت أيضاً في هذا الموضوع فشلا ذريعا فهي حددت لنفسها هدفا سياسيا تعرف سلفا انها غير قادرة على تحقيقه بقواها الذاتية ألا وهو اسقاط الرئيس بشار الاسد، فكان أن تعاونت مع قوى خارجية لها مصلحة في هذا المشروع من اجل تغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

لا يهم من أدخل من على المشهد السوري الداخلي سواء كانت القوى الخارجية هي التي ادخلت المعارضة ام العكس، إلا أنّ المعارضة السورية في هذه المعركة وضعت نفسها تحت سيطرة كاملة لتركيا والولايات المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، فهي دون دعم هذه الدول المادي والعسكري لا تستطيع الاستمرار في المعركة، وهذا الأمر جعلها في موقف صعب للغاية فأصبحت مادة للأستثمار الخارجي تستعمل في إطالة أمد الازمة السورية بانتظار حل النزاعات حول عدد من الملفات الاقليمية والدولية. كان من نتائج ضعف المعارضة السورية وهزالة أدائها السياسي أن قامت القوى الاقليمية المعادية لدمشق والساعية للوصول الى اهدافها باقصى سرعة ممكنة بادخال عناصر من تنظيم القاعدة الى سوريا والذي يبحث عن ظروف كتلك الموجودة اليوم على ارضها من اجل نشر نهجه المتطرف.

وجود تنظيم القاعدة على الارض السورية عقد بلا شك مسالة الوصول إلى حل سياسي للأزمة، فهذا التنظيم إضافة إلى انه يحمل معه عدة القتل العشوائي والتخريب الى كل البلدان التي يحل بها فانه يرفض في عقله الداخلي كل شروط المرونة والتكيف مع الحقائق المتجددة في علم السياسة والاجتماع. فالحرب التي تخوضها الحكومة السورية ضد هذا التنظيم اليوم تعتبر مفصلية، وإلا ينجح هذا الارهاب وتتحول سوريا الى نموذج من تلك النماذج الكارثية الموجودة في العراق واليمن وليبيا.

وهذا الانزلاق لن يقتصر على سوريا فهو مرشح وبقوة الى الامتداد الى لبنان خاصة بعد انتهاء الدور الوظيفي للمسلحين اللبنانيين الذي كانوا ينشطون في القتال الى جانب مسلحي المعارضة السورية في منطقتي القلمون وريف الحمص الغربي فهؤلاء مرجح استخدامهم في محاولة ضرب الخطوط الخلفية للجيش السوري انطلاقا من عرسال وعكار وخاصة ان هاتين المنطقتين يوجد فيهما الكثير من العوائق الطبيعية التي تخدم عمليات التسلل وتحد من مناورة اليات الجيوش النظامية، وهذا الامر في حال حدوثه قد يؤدي الى تطوير الجيش السوري نشاطه القتالي باتجاه هاتين المنطقتين في حال فشل الجيش اللبناني في ضبط حركة المسلحين ومنعها.

وليس من الضرورة ان يكون قرار الانزلاق هذا قراراً لبنانيا بل من الممكن ان يكون خارجيا فلبنان كما هو معروف ساحة دائمة للتجاذبات الاقليمية، والفتنة جاهزة دائما للدخول من شقوق التصدعات الموجودة في تركيبته في السياسية والاجتماعية والانقسام حول مفهوم الدولة والمؤسسات وصيغة الحكم.

ونذر هذه الفتنة اصبح اليوم يطل برأسه ليس فقط من خلال السيارات المفخخة والانتحارييين بل ايضا من خلال استمرار البعض في تأجيج المشاعر المذهبية تحت شعار الموقف من سلاح المقاومة وتدخل حزب الله في الحرب السورية، وايضا من خلال تواصل التحريض على الجيش اللبناني بحيثيات ووقائع ينقصها دليل الاثبات وذلك من اجل ضرب دوره في نزع لغم الفتنة المحتملة. أضف الى ذلك محاولات البعض تعطيل دور الحكومة وذلك من اجل خلق فراغ سياسي يؤدي في نهاية الامر الى فراغ أمني. كل هذه الامور مجتمعة والتي اصبحت تدق ابواب اللبنانيين اكثر من اي وقت سيؤدي استمرارها الى فتح الباب واسعا امام تنظيم القاعدة ليضع لبنان واللبنانيين امام تحديات سياسية وامنية حادة جدا لا تلامس نارها فقط الطائفتين السنية والشيعية بل هي ستؤدي الى انهيار كامل لمقومات الدولة في لبنان وتقضي على الدولة والنظام وصيغة التعايش.