روى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، في حديث لمجلة "الأمن العام"، خفايا المفاوضات التي أدّت إلى إطلاق راهبات معلولا، حيث لفت إلى أنه تلقى منذ اليوم الأول اتصالات من عدد من رجال الدين المسيحيين حضّوه على بذل جهود لإطلاقهن، وكانت الخطوة الأولى أنه أجرى اتصالات بمسؤولين قطريين تعاون معهم بنجاح في ملف أعزاز فأبدوا استعداهم للتعاون ومباشرة العمل.
وأشار اللواء ابراهيم إلى أنه، وفي ضوء مكالماته الهاتفية بنظيره القطري، عزم على زيارة دمشق للمرة الأولى للخوض معها في الملف، وكان الخاطفون قد أفصحوا عن هويتهم، وقال: "كان من الحتمي زيارة دمشق، الطرف الأساسي الآخر المعني بهذا الملف، وقد تكون المهمة أمام أثمان يقتضي تسديدها لقاء إطلاق المخطوفين"، ولفت إلى أنّ الزيارة رمت بداية إلى جس نبض المسؤولين الأمنيين السوريين، حيث لقي تشجيعهم لاسباب شتى منها أنّ معظم الراهبات المختطفات سوريات ما خلا اثنتين لبنانيتين.
وبحسب اللواء ابراهيم، فإنّ تدهور الوضع في يبرود استعجل موافقة الخاطفين على التفاوض، ولفت إلى أنه أبلغ الوسيط السوري أنّ هدفه الوحيد إطلاق الراهبات أياً تكن الوسيلة والجهة التي تتولاها، وهو يدعم من يسعه تحقيقه، إلا أنه أخطره أيضاً برفضه وجود خطوط عدّة لوساطات متشابكة تتضارب فيها المصالح وتتناقض الحسابات والأهداف، وقال له: "لسنا في صدد بازار، بل نريد تحرير الراهبات فحسب، وهذا كلّ ما نتوخاه".
وأشار إلى أنّ الفريق اللبناني طلب بادئ بدء إشارات حسن نية بإطلاق الراهبتين اللبنانيتين من المخطوفات الـ16 إيذاناً بانطلاق التواصل غير المباشر، لكنّ الوسيط عاد برفض "جبهة النصرة" تقسيط إطلاق الراهبات، فقال له الوفد اللبناني: "اذهب وعد بلائحة"، فذهب وعاد بمطلب أول: "إطلاق عدد من المعتقلين في السجون السورية"، فكان الردّ كالآتي: "ضع الرقم الذي يريدونه من واحد إلى ألف"، فذهب وعاد بمطلب ثانٍ: "إطلاق معتقلين لم يز عددهم عن خمسة"، ثمّ كان مطلب مكمل له رفع العدد إلى 50 معتقلاً، ثم كان الطلب الرابع: لائحتان منفصلتان، أولى من 900 معتقل في السجون السورية وثانية من 150 إسلامياً موقوفاً في سجن رومية متهمين بجرائم إرهابية بينهم 35 موقوفاً من جماعة أحمد الأسير متورطين في أحداث عبرا.
وكشف ابراهيم أنه وافق على تسلم لائحة 900 معتقل، وأوعز إلى الفريق اللبناني برفض تسلم لائحة الـ150، ولمّا أتى جواب الخاطفين عبر الوسيط بالاصرار على لائحة الـ150 معتقلاً، ردّ اللواء ابراهيم قائلاً: "لن أوافق على إطلاق 16 راهبة في مقابل إعدام الشعب اللبناني، لأنّ إطلاق 150 إرهابياً من سجن رومية يعني تدمير المجتمع اللبناني برمته إذا أفلتوا في البلاد".
وبتجزئة المطالب ونبذ لائحة إسلاميين سجن رومية، انتقل التفاوض إلى مرحلة تالية ومحطات أخرى تركزت على بت لائحة 900 معتقل في السجون السورية، وأشار ابراهيم إلى أنه حمل هذه اللائحة إلى دمشق كي يباشر تفاوضا مشابها لما رافق مخطوفي أعزاز بين السلطات الرسمية السورية والخاطفين، فاستمهلت السلطات الأمنية السورية بضعة أيام للتحقق من الأسماء، وفي وقت لاحق تيقنت من وجود عدد منها في سجونها وبعض آخر لا وبعض ثالث أسماء مشوبة بأخطاء وتكرار وبعض رابع قيد المحاكمة يتعذر إطلاقه قبل إنهائها وبعض خامس لا عقبات في طريق إطلاقه وبعض سادس لم يرتكب أفعالا جرمية، وفي حصيلة الاستقصاء وجمع المعلومات هبطت لائحة 900 إسم إلى 141 اسماً جلهم من النساء.
بعد ذلك، كان اقتراح من "جبهة النصرة" يقضي بتسليم الراهبات في عرسال بالتزامن مع وصول الموقوفات السوريات من ضمن لائحة 141 إلى المصنع داخل الأراضي اللبنانية، فرفض ابراهيم هذا الاتفاق، وعرض بديلاً منه غير قابل للتفاوض يقضي بإطلاق الراهبات ونقلهنّ إلى عرسال وتسليمهنّ إلى الأمن العام هناك بسرية مطلقة تمهيداً لنقلهنّ إلى بيروت بالتزامن مع إجراء اتصال بالسلطات السورية لإطلاق السجينات السوريات الـ141 تبعاً للائحة المتفق عليها. عندها، نقل الوسيط السوري الاقتراح البديل إلى أبو مالك، فرفضه وتقدم بثلاثة اقتراحات ضمّنها مطلباً جديداً فاجأ المفاوضين اللبناني والقطري إلا أنه أضحى حجر عثرة في طريق التفاوض واستمرار التعويل على صفقة التبادل وكاد يطيحها: إطلاق 12 موقوفاً في السجون السورية ترد أسماؤهم للمرة الأولى.
عندئذ، انتقل التفاوض إلى المرحلة السادسة والأخيرة كما أكد اللواء ابراهيم، الذي لفت إلى أنه كان عليه تعديل بعض التفاصيل على اقتراحه في ضوء مناقشات أجراها في دمشق، بغية إيصاد الأبواب أمام تذرع الخاطفين بتعطيل التبادل، قضى بالموافقة على نقل السجينات السوريات إلى الحدود اللبنانية السورية وترك لهنّ حرية خيار مصيرهنّ بالتزامن مع إطلاق الراهبات في عرسال وتسليمهنّ إلى الأمن العام سراً.
وأشار اللواء ابراهيم إلى أنه بدأ الخوض بعد ذلك في الأسماء الـ12 وسط امتعاض سوري من الشرط الجديد، حيث تبين ورود أخطاء في تدوين الأسماء بعضها بدا أنه تعمّد التضليل، ومنذ ذلك الوقت بدأ العدّ العكسي للتبادل: عند الثانية والنصف بعد ظهر 9 آذار توجهت قوة أمنية من الأمن العام يرافقها الفريق القطري إلى وادي عطا عقبة الجرد في عرسال على مسافة 15 كيلومترا من الحدود اللبنانية السورية لتسلم الراهبات، وبوصول القوة إلى ساحة اللبوة تبلغ الفريق القطري اتصالا من الخاطفين يطلبون اصطحاب عائلة الموقوفة سجى الدليمي إلى نقطة التبادل، فوافق ابراهيم على ذلك، وأكد أن دورية من الأمن العام ستتولى نقلها من المصنع إلى عرسال. وعندها أيضاً، طلب اللواء ابراهيم من دمشق وقفاً شاملاً للنار في يبرود لساعتين مدّدتا مرتين لتسهيل تسلم الراهبات.
ووفقاً للواء ابراهيم، فعندما اقترب موعد التبادل طرأت عقبة إضافية هي افتعال تأخيره بلا مبرر، حيث كا من المتفق إنجاز التبادل في عرسال بعد ظهر الأحد 10 آذار، إلا أنّ الفريق اللبناني لمس تعمّد الخاطفين تأخير التنفيذ بحجج مختلفة في انتظار هبوط الليل، وبعد سلسلة عقبات وشروط جديدة، كان ردّ اللواء ابراهيم الرفض والاصرار على إتمام التبادل تبعا لما هو متفق عليه: إطلاق راهبات معلولا جميعا في مقابل سجى الدليمي وطفليها وشقيقتها. عندها انقطع الحوار، وأمر اللواء ابراهيم الفريق اللبناني بمغادرة المكان ومعه سجى الدليمي وعائلتها، وكانت الساعة قاربت العاشرة ليلاً. لم تنقض عشر دقائق حتى تلقى أحد الضباط القطريين مخابرة من أبو عزام الكويتي طالبا العودة لمباشرة تنفيذ التبادل وفق الاتفاق المبرم. وهكذا، أنجز التبادل.
وختاماً، لفت اللواء ابراهيم إلى أنّ ملف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم ملف مختلف، وأن الخاطفين من طراز مختلف، موضحاً أن لا معلومات واضحة بعد عن مكان خطفهما، معرباً عن أمله في أن يؤدّي التعاون مجدّداً مع قطر إلى نتيجة مرضية.