قد لا يعرف بعض الوزراء والنواب شيئاً عن الواقع في منطقتي الشمال والبقاع، لا سيما أنهما غير موجودتين في قاموس الحكومات المتعاقبة منذ سنوات طويلة، لكن اليوم وبعد الأحداث الأمنية رأت الدولة أن من الضروري التنبه لهما، إلا أن رؤيتها مع الأسف لم تتجاوز حتى الآن الجانب الأمني.
يستطيع من يريد من المسؤولين أن يطلق أي وصف على هاتين المنطقتين، من نوع "البؤر الأمنية" إلى "معابر الموت" إلى "البيئات الحاضنة"، ولكن هل فكر أحد بالأسباب التي أدّت إلى ذلك؟
العين الأمنية
منذ سنوات طويلة، لم تطرح أي خطة إنمائية أو إقتصادية لمنطقتي البقاع والشمال، على الرغم من أن معظم المسؤولين يتحدثون في أغلب المناسبات عن الحرمان الذي يعمّهما، ولم يخلُ أي بيان وزاري أو خطاب قسم من العبارات التي تتناول عملية الإنماء المتوازن بين المناطق، لكن على أرض الواقع لا شيء من ذلك تحقق.
لدى منطقة البقاع تجربة خاصة مع قضية الزراعات الممنوعة، حيث تلقت الوعود بمساعدة المزارعين من أجل الإستغناء عنها عبر تقديم الزراعات البديلة، وهي لا تزال تنتظر حتى اليوم هذا الأمر.
وفي هذا السياق، يرى رئيس بلدية بريتال عباس زكي إسماعيل، في حديث لـ"النشرة"، أن سعي الدولة اللبنانية إلى بسط سلطتها في المنطقة يندرج من ضمن الخدمات التي تقدمها وهي مشكورة على ذلك، لكنه يتمنى ألاّ تكون الخطة الأمنية التي يتم الحديث عنها موسمية أو مجرد فورة بسبب الأحداث التي حصلت في الفترة الأخيرة.
بدوره، يؤكد رئيس بلدية طرابلس نادر الغزال، في حديث لـ"النشرة"، أن المعالجة الأمنية لا تكفي من دون وجود معالجة إقتصادية وإنمائية، ويشير إلى أن 80% من الأحداث الأمنية التي عرفتها عاصمة الشمال كان من الممكن تداركها فيما لو كان هناك مشاريع تمنع إستغلال الشباب من قبل البعض مقابل حمل السلاح.
ويشير إسماعيل إلى أن من الأفضل أن تحضر الدولة بكامل مؤسساتها إلى البقاع، لأن الجزء الأكبر من الذي يحصل يأتي كرد فعل على غيابها على الصعد الإقتصادية والإجتماعية والإنمائية، وينفي وجود أي وعود جديدة في هذا الاطار.
ويشدد إسماعيل على أن الإنماء من المفترض أن يكون من ضمن برامج دائمة، حتى لا يشعر المواطن أنه في غربة داخل وطنه كما هو حاصل حالياً، ويضيف: "بعد مرور أكثر من عشرين سنة على قيام الجمهورية الثانية لم نر شيئاً من هذا".
من جانبه، يرفض الغزال تحميل الحكومة الحالية كامل المسؤولية، لا سيما أن المشكلة تعود إلى سنوات طويلة، لكنه يعتبر أن ليس أمام أبناء المدينة إلا المطالبة ومتابعة هذه الأمور مع المعنيين، وهو يأمل خيراً لا سيما في ظل الإجتماعات الكثيرة التي تعقد مع سلام من أجل ذلك، ويؤكد أن الحركة الإقتصادية في طرابلس تحسنت بعد بدء تنفيذ الخطة الأمنية فيها.
ماذا يفعل ممثلو المنطقتين في المجلس النيابي؟
إلى جانب الحكومات المتعاقبة، يتحمل ممثلو الشمال والبقاع في المجلس النيابي مسؤولية كبيرة عن هذا الواقع، على الرغم من التبريرات الكثيرة التي يقدمونها إلى ناخبيهم، لكن ما الذي يمنعهم من حجب الثقة عن حكومات لا تلبّي طموحات من أوصلهم إلى المجلس النيابي، وهل هم ملزمون بمواقف الكتلة التي ينتمون إليها؟
في هذا الإطار، يؤكد عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب كامل الرفاعي على ضرورة أن تقدم الدولة تحفيز إقتصادي إلى القطاع الخاص من أجل الإستثمار في المناطق المحرومة، ويشير إلى أن المطلوب منها ليس أن تقوم بإنشاء المصانع لكنها تستطيع أن تخفض من رسوم الكهرباء والضرائب على سبيل المثال كي يقوم القطاع بذلك.
ويشير النائب الرفاعي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنها من خلال ذلك تسحب الذريعة من البعض الذي يبرر الجريمة بحجة الأوضاع المعيشية الصعبة، ويعرب عن أسفه لأن الدولة اللبنانية أهملت هذه المناطق على مدى سنوات طويلة، لكنه يؤكد العمل على ذلك من خلال مطالبة المسؤولين في السلطة التنفيذية، إلا أنه يلفت إلى أنه عندما دخل ممثلو هذه المناطق إلى المجلس النيابي وطالبوا بتحسين أوضاعها أعلنت الدولة إفلاسها.
من جانبه، ينطلق عضو كتلة "المستقبل" النائب خضر حبيب من تأكيد أن نظرية الأمن بالتراضي أثبتت فشلها، ويرى أن المطلوب أن تترافق الخطة الأمنية مع خطة إنمائية في الشمال والبقاع، لا سيما أن هناك خطة لطرابلس تمت الموافقة عليها ويجب صرف الأموال اللازمة لها،
ويلفت النائب حبيب، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هذا الأمر ضروري لمنع إستغلال الشباب العاطل عن العمل من قبل بعض المليشيات، ويشير إلى ان هذا الأمر كان يحصل في طرابلس في الجانبين، ويشدد على أن تأمين الأمن الإجتماعي ضروري بعد فرض الإستقرار.
وعلى الرغم من كل التجارب السابقة، يؤكد النائب حبيب أن هذه الخطة ستنفذ، ويوضح أن هناك مسؤولية كبيرة على كل المسؤولين السياسيين لمتابعة هذا الأمر، ويؤكد أن لديه أمل كبير بذلك.
في المحصلة، تنتظر منطقتا البقاع والشمال الوعود الرسمية مرة جديدة، بعد أن أرهقتها الأحداث الأمنية طوال الأشهر السابقة، ولكن هل ستصدق هذه المرة أنها ستلاقي مصير سابقتها، لكي تؤكد الدولة أنها لا تنظر إلى هاتين المنطقتين إلا من العين الأمنية؟