في زمن الصوم الذي تعيشه الكنيسة اليوم، حيث تعود إلى ذاتها في فحص ضمير دقيقٍ يضعها أمام ما حقَّقته، خلال سنة، من تقدُّمٍ في سلَّم القداسة. لذا لا بدَّ لنا، في هذه المرحلة، أنْ نتأمَّل بعظات قداسة البابا فرنسيس الأول، وخصوصاً كتابه "فرح الإنجيل" جاء كثورة على الذَّات وما قد يجرُّه الاهمال والتراخي في الحياة الروحيَّة والشهادة المسيحيَّة.
وإذا تمعنَّا في رسالته هذه، نراها تتمحور حول كلمة "عدم الاقصاء" في كلِّ أبعادها ومدلولاتها. في الحقيقة، يُشدّد البابا على سلبيَّة هذه الكلمة إذا ما طُبِّقتْ. فلا يُسمح لنا التفكير البتة باقصاء أيّاً يكن من حساباتنا وتفكيرنا واهتمامنا وتبشيرنا بكلمة الله. فالبشارة موجَّهةٌ إلى كلِّ فردٍ. والله لا يعرف التمييز بين البشر؛ فالجميع أبناؤه. من هنا، لا يسعنا، ونحن في مسيرة التوبة، في زمن الصوم، سوى أن نفهم أنَّ الشخص الآخر هو جزء مكمِّلٌ في حياتنا الروحيَّة.
وبوجيز العبارة، لا يمكننا الكلام على توبة حقيقيَّةٍ ونحن لا نشعر بأسى المحتاج؛ لا يمكننا التقدُّم في القداسة ونحن لا نبالي بهموم العُزَّلِ؛ لا يمكننا أن نقول بأنَّنا نعيش في حضرة الله ونحن ى نرى صورة الله في الآخر.
ويتابع البابا في إرشاده قائلاً لن نجد السلام والطمأنينة في عالم يعتدي على حقوق القاصرين، ويشنُّ الحروب الدامية والمدمِّرة، ويقيمُ اضطهاداً لمجردِّ الانتماء إلى معتقدٍ مختلفٍ. فنرى الأذيَّةَ منتشرة من دون رحمة أو شفقة، وأحياناً من دون سببٍ. لذا يُحذِّرنا البابا من الوقوع في فلسفة اللآمبالة والاعتياد على مظاهر لا إنسانيَّةٍ في حياتنا اليوميَّة.
باختصار، الصوم ليس واجباً أو محطةً نمرُّ بها، إنَّما هو نمو في الايمان بالله ومحبَّة الانسانية، وادراك بأنَّ الله نفسه يمرُّ بنا كي يصل إلى الآخر المحتاج له.
* مدير مركز الدراسات المريميَّة
جامعة سيِّدة اللويزة