يراقب رجال الإقتصاد والمال، يتقدّمهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما تشهده ساحة النجمة بقلقٍ بالغ لم تعِشه البلاد سابقاً. فقد فجَّر مجلس النواب ما إن افتتح جلساته التشريعية بعد طول غياب مجموعةً من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية تُهدّد الأمن الماليّ والإقتصادي، ما قد يقود إلى أزمة أمنية أخطر وأدهى ممّا كان متوقّعاً. كيف قرأ المعنيّون ذلك؟
إرتفعَ منسوب القلق لدى المراجع الإقتصادية والماليّة، ومعهم خبراء اقتصاديون، من حجم تحميل الحكومة الجديدة كمّاً من المبالغ التي تنوء تحتها خزينة أيّ دولة تعيش رخاءً إقتصادياً وماليّاً، فكيف بالنسبة إلى الخزينة اللبنانية التي تعاني ما تعانيه من حجم الدين العام؟
وجاءت هذه الإنطباعات السلبية في مقابل ورشة التشريع المفتوحة في ساحة النجمة منذ الأسبوع الماضي، والتي يتباهى بها عدد من النوّاب وكأنّ الإنتخابات على الأبواب، وسعيُ البعض الى إظهار قدرات المجلس النيابي على إقفال كثير من الملفّات المفتوحة منذ زمن بكلفة مالية باهظة جرّاء ما هو متوقّع من رسوم وضرائب تَزيد من الضغوط على قدرات الحكومة في تسييل الوعود الماليّة التي قطعها النوّاب مخافة أن تتجاوز انعكاساتها السلبية الإستقرار النّقدي الذي يتغنّى به المسؤولون منذ العام 1998، وبعدما تجاوز لبنان تداعيات الأزمات المالية العابرة للقارّات التي هدَّدت الإقتصادات العالمية وحتى الخليجية منها.
ويعترف أحد الخبراء الإقتصاديين بأنّ ما يشهده مجلس النواب لا يمكن اعتباره سوى «حفلة جنون وانتحار إقتصادية ومالية». ويقول ساخراً: إنّ المجلس الذي رفض رئيسُه منذ البداية التشريع تحت ضغط الشارع رضخَ للإعتصامات في الماء، فسارع إلى بتّ القوانين التي تزيد من الأعباء».
ويعتبر أنّ «ما تقرَّر دفعةً واحدة من قوانين لتمويل السلسلة، وتثبيت الموظفين واستيعابهم في ملاكات المؤسّسات وفق آليات تتجاوز القوانين الإدارية، ألقى أعباءً ماليّة لا يمكن توفيرها، قياساً على العجز في جباية ما هو مقدّر من موارد للخزينة.
ويأتي كلّ ذلك في مرحلة تُقاس في الساعات، بعد أعوام من المماطلة في استيعاب مسلسل الأزمات التي قادت إليها سياسة تأجيل الممكن من الحلول، والمعتمَدة من المجلس ومعه الحكومات المتتالية التي ربطت تلبية أيّ مطلب مُحِقّ بطريقة تأمين موارده وكِلفته، من دون أن يكون لها أيّ انعكاس على الإستقرار، قبل أن تُستدرَج الى البتّ بسلسلة جديدة للقُضاة ومن بعدها لأساتذة الجامعة اللبنانية، ففتحت شهيّة القطاعات الأخرى.
وعليه، فُتحت المواجهة في ساعات قليلة بين الهيئات الإقتصادية من جهة والمجلس النيابي من جهة أخرى، وما إن سجَّل رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل ملاحظاته بعد تحذيرات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي بقي الجزء الأهمّ منها طيَّ الكتمان، على شكل الواردات لتمويل السلسلة ومخاطرها على الدين العام ومصير الودائع المالية في لبنان، حتى فُتحت النيران في اتّجاهها نيابياً وقضائياً، وصولاً للفتِ نظر باسيل إلى أنّه «قرَّر على ما يبدو إطلاق النار على أرجله بيده». وأُرفِق هذا التهديد المبطّن بكشف حجم أرباح المصارف والتهديد بمقاسمتِها أرباحَها أيّاً تكن النتائج.
وجاءت هذه التهديدات لتُهدّد بدورها معادلة ناجحة مفادُها أنّ سلامة القطاع المصرفي والإقتصاد هي نتاج صوابية السياسة المالية التي يقودها حاكم مصرف لبنان والتزام المصارف تعليماته وإجراءاته التي ضمنت نوعاً من الإستقرار المالي في بلدٍ عاش أزمات حروب استُدرج إليها عام 2006 وصولاً إلى تورّط بعض اللبنانيين في الحرب السورية.
واختصاراً للمناقشات التي لا يتَّسع لها المقال، إنتهى الخبير الإقتصادي الى التحذير ممّا سيقود إليه «تسونامي» التفريط بالمال العام الذي يقوده مجلس النوّاب بلا ضوابط الحكومة اللبنانية مخافة تحوّلها «حكومة تفليسة آخر العهد» مع تجاهل المعادلة التي تقول «إنّ سلامة الإقتصاد مفتاح الإستقرار الأمني»... فحذارِ من الآتي!