في وقت توقف فيه المراقبون عند التعتيم الاعلامي على المعارك الشرسة التي تدور بين الجيش السوري ومعارضيه على الحدود السورية التركية وتحديدا في كسب وجوارها في مشهدٍ وصفه دبلوماسي شرقي بالحرب المصيرية بالنسبة لمقاتلي المعارضة وداعميهم المباشرين أي تركيا والمملكة العربية السعودية، والمفصلية للنظام، رأوا أنّ هذه المعركة قد تكون الأخيرة للمسلحين في حال فشلهم في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية من ورائها، وإلا فإنّ سوريا ستصبح مهددة بالتقسيم الجغرافي والسياسي على قاعدة دولة سنية على الحدود التركية السورية الايرانية من غير المستبعد أن تتحول إلى دويلة فلسطينية في وقت لاحق، وأخرى تضمّ الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية على ما تبقى من المساحة الجغرافية والسياسية.
على هذا الأساس، تبني الدبلوماسية الشرقية وتراقب مجريات الاحداث على الحدود الشمالية لسوريا، خصوصا أنها تدرك بشكل قاطع أنّ تركيا شاركت في هذه المعارك بشكل مباشر ليس محبة بالمسلحين أو للحفاظ على ما تبقى منهم وإعادة ضخ الحياة في شرايينهم الامنية والسياسية، بل لأنّها باتت تخشى من تعاظم نفوذ العلويين الاتراك وهم على مقربة من الحدود السورية المحكومة حتى الآن من قبل هذه الاقلية، مع الاشارة إلى أنّ تعدادهم بلغ في الاحصاءات الاخيرة حوالي الستة عشر مليون نسمة يتخذون من لواء الاسكندرون مكانا لنفوذهم السياسي والشعبي اضافة إلى عدد لا بأس به من الاقليات الشيعية المنتشرة قي المناطق والمدن التركية المحاذية. وهذا ما يحول المعركة إلى حيوية واستراتيجية بالنسبة لحكومة رجب طيب اردوغان التي تتقاسم النفوذ السياسي مع الجيش التركي.
في المقابل، يبدو أن النظام السوري، الملتزم حتى الآن بالصمت والعامل بكل ما يملك من قوى عسكرية وامنية ودبلوماسية على إجهاض المصالح التركية، يدرك تمامًا حقيقة الاهداف ويعمل وفق أجندة دبلوماسية ممتدة من سوريا إلى روسيا عبر ايران على اجهاض المشروع التركي المدعوم من قبل الغرب ودول حلف شمال الاطلسي في ظل تقاطع مصالح اقليمية. وهذا ما يفسر الصمت السوري خصوصا لجهة مجريات المعارك كما يبرر الهجمات العسكرية المتبادلة والتي ما زالت تراوح بحسب المعلومات الواردة تباعا إلى الدبلوماسي المعني بين الكر والفر مع تسجيل ضغوط متبادلة غير مسبوقة في ظل دعم تركي مباشر يقابله دعم ايراني وروسي من المرجح الا يقف هذا الدعم عند حدود تزويد الجيش السوري بالسلاح الحديث واستراتيجيا الاتصالات بل سيتحول تدريجيا إلى ورقة ضغط دبلوماسي تمارسها كل من طهران وموسكو على تركيا.
وفي هذا السياق، كشف الدبلوماسي عن معلومات ابلغته بها خارجية بلاده حول رسالة ايرانية عاجلة أبلغها المعنيون في طهران لنظرائهم الاتراك ضمّنوها ما يمكن وصفه بالتهديد باعادة النظر بالاتفاقات التي كانت قد عقدت بين البلدين نهاية كانون الثاني الماضي وتضمنت اتفاقات في مجال تزويد تركيا بالغاز الايراني اضافة إلى اتفاقات اقتصادية واستثمارية من شأنها ان تعيد التواصل بين البلدين، وبالتالي إعادة العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه عشية الزيارة، هذا في حال استمرت تركيا بدعم المسلحين العاملين ضد النظام السوري، وذلك على اعتبار أنّ إيران لن تسمح على الاطلاق بإعادة تغيير موازين القوى في سوريا كما أنّها لن تقبل بتغيير قواعد اللعبة، بل على العكس فإنّ موقفها نهائي وهو اتخذ بالتنسيق مع روسيا التي أبلغت واشنطن الممنوعات الايرانية والمحظورات الروسية وهي قريبة من الخطوط الحمراء المحددة روسيا بعدم اقتراب أيّ من أطياف المعارضة من القواعد العسكرية الروسية المتواجدة في طرطوس والمنشأة من الأساس للاشراف على المياه الدافئة ومعابر الغاز الروسي المفترض أن تبصر النور في غضون السنوات القليلة المقبلة بما يعني تقاطعًا طبيعيًا بين المصالح الايرانية والروسية والسورية التي يجب احترامها وإلا تعرضت المنطقة إلى اهتزازات كبرى غير محسوبة النتائج.