هنا اللبونة... اللغز الذي شغل المنطقة بكاملها في الأسابيع القليلة الماضية، فضاعت الفرضيات بين الهدف والمستهدف؛ إلى أن اعلن الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أنّ الحزب كان وراء إفشال العملية الأمنية الاسرائيلية.
وعلى اعتبار أن هذا الحدث لا يمكن أن ينتهي بمجرد الاعلان عنه خصوصا انه يعدّ تطورًا نوعيًّا في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به المنطقة وما كانت قد تنتجه من حرب، أخذت هذه العملية الحيز الأكبر في الأوساط الإعلامية في الأيام القليلة الماضية، خصوصا بعد ان أعلن "حزب الله" عنها، على الرغم من انها كانت قد حصلت في شهر آب 2013.
هذا الخرق الاسرائيلي في هذه المنطقة لم يكن الاول من نوعه، فقد أكدت مصادر مطلعة لـ"النشرة" أنّ الفرقة "ستريت متكال" من لواء غولاني في الجيش الاسرائيلي كانت قد عمدت الى التوغل في اللبونة لأربع مرات سابقة؛ وكانت تلك العمليات مخصصة للرصد ولاستكشاف المكان، مع الأخذ بعين الاعتبار ان هذه الفرقة تابعة للعمليات الخاصة بمجلس الوزراء الاسرائيلي وهي المسؤولة عن اغتيال أمين عام "حزب الله" السابق السيد عباس الموسوي والعديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين في لبنان والخارج.
وفي التفاصيل فقد كانت الساعة الثانية عشر من تلك الليلة هي ساعة الصفر لتنفيذ العملية تحت غطاء جوي وبحري ووسط استنفار لكافة الوحدات العسكرية الإسرائيلية عند الحدود الشمالية وفي الداخل الاسرائيلي. بدأت العملية عندما تخطّت فرقة النخبة الإسرائيلية السياج التقني وانقسمت الى مجموعتين؛ الأولى للتنفيذ والثانية اقتصر دورها على التأمين والتدخل في حال الضرورة. لم تتوغل الفرقة كثيراً حتى وقعت في كمين محكم مؤلف من تشريكة عبوات كان "حزب الله" قد زرعها في المكان. فقد انفجرت التشريكة الاولى بمجموعة التنفيذ المتقدمة والثانية بمجموعة التأمين التي كانت قد تقدمت الى نقطة المقتل بعد ثوان من الانفجار الاول.
وفي هذا السياق أكدت مصادر "النشرة" أنّ الكمين مؤلف من تشريكة عبوات تلفزيونية كان "حزب الله" قد طوّرها لمثل هذه العمليات؛ وكانت اللبونة شاهداً أول على هذه العبوات النوعية التي استنفرت الحكومة الإسرائيلية عندما تم استخدامها في كمين الغوطة الشرقية لدمشق.
ولقد أكدت مصادر خاصة لـ"النشرة" ان هدف العملية الأمنية الإسرائيلية لم يكن زرع جهاز تنصت او اي عمل استطلاعي آخر؛ بل كانت لأسر او اغتيال احدى الشخصيات العسكرية المهمة في "حزب الله".
واذا ما قمنا بتحليل طبيعة الارض الجغرافية والموقع الاستراتيجي لـ"اللبونة" الذي يكشف المنطقة من الناقورة الى صور وصولا الى شمع وطيرحرفا وعلما الشعب، سنجد ان الناقورة هي هدف مستبعد لوجود مراكز الجيش اللبناني والقوات الدولية "اليونيفل" مما يجعل اي عمل عسكري او أمني مستحيلاً في منطقة مكتظة عسكرياً؛ كما وأنّ صور وضواحيها وصولا الى شمع هي أهداف أيضاً مستبعدة بسبب بعد المسافة بينها وبين "اللبونة" التي يصعب على اي مجموعة راجلة اختراقها وتنفيذ اي مهمة فيها؛ اما علما الشعب فهي قرية حدودية وبطبيعة الحال فهي في حال جهوزية عالية لعناصر "حزب الله".
وبالتالي فان بلدة طير حرفا التي تبعد من ثماني إلى عشر كيلومترات من المناطق الحرجية وغير المأهولة عن "اللبونة" والتي تستطيع القوة المتوغلة بلوغها وتنفيذ العملية فيها والانسحاب في عدة ساعات، وقبل بزوغ فجر اليوم التالي هي البقعة الجغرافية التي يتواجد فيها الهدف من العملية الإسرائيلية.
وأكدت المعلومات ان العبوتين كان "حزب الله" قد زرعهما لعلمه بتفاصيل العملية الإسرائيلية، فقد تم تشبيه هذه العملية في التقارير الاسرائيلية بانها شبيهة بعملية أنصارية عام 1997 من حيث الهدف والنتيجة التي اوقعت عددا من جنود النخبة الاسرائيلية في دائرة الموت.
اذا هي جولة ضمن جولات الصراع بين "حزب الله" والجيش الاسرائيلي، ليست الاولى من حيث العدد ولن تكون الاخيرة، إلا أنّ عملية "اللبونة" فتحت آفاقاً جديدة للصراع، حيث فهمت اسرائيل جيدا أنّ "حزب الله" يتربّص بها على الحدود، ويعتمد على معلومات أمنية وجهوزية عسكرية لايصال رسائل واضحة الى حكومة بنيامنين نتانياهو التي قررت التكتّم على هذه العملية لما شكلته من ضربة قاسية لها.