غالباًَ ما نسمع عن سقوط عامل بناء في الورشة التي يعمل بها، وغالباً ما يمر هذا الخبر وكأن شيئا لم يكن... كأي حادث عابر في يوميات المشهد اللبناني، وفي وسائل الاعلام. على الرغم من أهمية قطاع البناء، والإنتشار الكثيف للورش على الأراضي اللبنانية كافة ولا سيما في المدن، الا انه يبقى بعيداً جداً عن السلامة العامة وعن حقوق العامل. هذا الإستخفاف بشروط السلامة يلحق الضرر باشخاص ذنبهم الوحيد انهم يسعون لكسب لقمة عيشهم لدى من لا يفكر الا بالارباح المادية.
قصة السلامة العامة في ورش البناء كقصة ابريق الزيت. الدولة غائبة فيها، القانون لا يطبق والعامل في الورشة لا يجرؤ على الكلام، تحت طائلة الطرد من العمل. ووسط هذا الإهمال، يتعرض العمال في ورش البناء، والمواقع قيد الإنشاء إلى الكثير من المخاطر التي تهدد حياتهم او تصيبهم بعاهات مستديمة.
أما حوادث افتقار السلامة العامة في الورش، فتنتهي بانتهاء العزاء بالضحية، ومن بعدها يبدأ "فيلم أميركي طويل" في المحاكم ومع المحامين وشركات التأمين التي تشكل شريكاً أساسيًا لاصحاب المشاريع.
خوذة وأحزمة وأقنعة
يشرح المهندس علي محسن في حديث لـ"النشرة"، ان "العامل في أي ورشة يجب ان يجهز بخوذة للرأس، ونظارات، ولباس مخصص لمكان العمل، واحذية للعمل في منشأة بناء، وبحزام في حال اراد تسلق أي جدار لكي يقوم بعمل ما"، مشيراً إلى أن "أحد شروط السلامة العامة في أي مبنى هو توافر جهاز انذار مبكر عن الحريق او عن تسرب المياه، ووجوب وضع ساتر على المنشأة من اجل تفادي سقوط اي جسم على المارة او العمال". ويشدد محسن على أن "الالتزام بمعايير السلامة هو من اساس نجاح اي شركة مقاولات لانها بذلك تكون قد نفذت القانون وحافظت على حياة العامل". ويضيف ان على الشركة المتعهدة القيام باجتماعات اسبوعية للعمال من اجل التوعية، وفحص المعدات.
استهزاء بحياة البشر..
من جهته يشير رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله الى ان موضوع السلامة العامة في لبنان يفتقد الى المتابعة من قبل الدولة، فهو موضوع "عادي" وليس من اولويات عمل الوزارت المتخصصة. ويلفت الى اننا نفتقد السلامة المهنية في قطاع البناء البعيد كل البعد عن أعين الدولة، فالعامل يواجه بمفرده شركات التأمين وأصحاب الورش، الذين يتفقون على معاملته "كحرف ناقص"، ويصف الوضع بأنه "استهزاء بحياة البشر وحقوق العامل، ويضيف ان اصحاب الورش يفضّلون توفير المال على تجهيز اي عامل بمعدات السلامة، وذلك لان المال اهم من حياة اي عامل، بل اكثر من ذلك يعقد صاحب الورشة وبعض شركات التأمين صفقات مشبوهة بحيث يتم الالتفاف على القانون وتسجيل فئة قليلة من العمال في المنشأة، وذلك من اجل التوفير المادي، وهذا تآمر من شركات التأمين".
ويضيف عبدالله بأن اصحاب الورش "لا يجهزون العمال بالخوذ والاحزمة والثياب الخاصة، أو يعمدون إلى شراء تلك الادوات بأسعار متدنية وبنوعية ضعيفة، عندئذً يتخلى العامل عنها لان سلبياتها اكثر من ايجابياتها".
وبالنسبة الى جهاز المراقبة والتفتيش في وزارة العمل، يقول عبدالله في حديث لـ"النشرة" ان "هذا الجهاز غائب مثله مثل الدولة، وهو جهاز ضعيف". ويشير الى ان غالبية المخالفات في هذا الموضوع تتركز في المناطق البعيدة عن العاصمة والضواحي حيث الدولة غائبة او تصل الى هناك مرة كل سنة. ويلفت الى حوادث يومية تسجّل في ورش البناء، حيث يلفت أنّ غالبية الضحايا من العمال الاجانب، وينبّه إلى أنّ "مرسوم السلامة المهنية بقطاع البناء تم اقراره لكنه لا يطبق في أي مكان".
الله هو الحامي
محمد حسن، احد العمال في ورشة بناء في ضواحي بيروت والذي يعمل في هذا المجال منذ 20 سنة، يكشف لـ"النشرة" عن تعرضه إلى عملية خداع "من قبل صاحب الورشة". فبعد إصابته، لم تقبل شركة التأمين بعلاجه لأنه غير خاضغ لنظام تأمين، علماً أنه كان قد وقع على أوراق تثبت عكس ذلك. حسن يعتبر اليوم أن "الله هو الحامي"، ويشير الى انه اصيب أكثر من مرة في جسده ورأسه دون أن تعوض عليه شركة التأمين، وكان يعود الى العمل بعد تعافيه في كل مرّة.
مخاطر عديدة قد يتعرض لها عمال البناء في كل لحظة، لكنهم "اعتادوا" على المخاطرة اليومية بحياتهم بحسب حسن. ولكن السؤال، إلى متى الإستخفاف بحياة الناس بهذه الطريقة؟!
تصوير تلفزيوني علاء كنعان ويورغو رحال