لا شكّ أنّ الخطة الأمنية في طرابلس لاقت الترحيب والإجماع الشعبي حولها، وقد تجلّى هذا الأمر بالتفاف الجميع حول الجيش اللبناني نتيجة المهمات التي نفذها وينفذها في طرابلس والتي أفضت الى أمان واستقرار واستعادة المدينة لدورها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي..
هكذا، انقلبت الصورة داخل طرابلس رأسًا على عقب، فأينما اتجهت في شوارع المدينة وفي أحيائها الداخلية تلاحظ أمرين هامين: الارتياح والاشادة بدور الجيش اللبناني خصوصاً أنّ انتشاره في المدينة مطلب شعبي ملح منذ سنوات، ويقابل ذلك الدعوات الملحّة لاطلاق الخطة الانمائية والاعمارية والنهوض الاقتصادي في المدينة.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، لا تخفي الأوساط الشعبية قلقها من عودة الصراع الى التبانة بين شرائحها ومجموعاتها وهو صراع بدأت ملامحه تطفو على السطح بين مجموعات موالية لأحد رؤساء الحكومات السابقين ومجموعات موالية لقائد أمني سابق، علمًا أنّ هذا الصراع لا يزال حتى الآن في اطار تبادل الاتهامات والتخوين لكن يخشى ان يتطور إلى أعمال انتقامية بين الفريقين.
وبحسب هذه الأوساط، فإنّ المجموعات الموالية لرئيس الحكومة السابق تعتبر أنّ القائد الأمني السابق ومعه التيّار الّذي ينتمي اليه كان يقف خلف الجولات الاربعة عشر منذ "يوم الغضب" في 15 كانون الثاني 2011، وأيضًا الجولات التي شهدتها التبانة وجبل محسن بعد أحداث 7 أيار، بل إنّها ترى أنّ جولة العنف انتهت تلقائيًا مع تشكيل الحكومة الجديدة وعودة التيار المذكور الى السلطة.
في المقابل، تتهم المجموعات الموالية للقائد الأمني السابق رئيس الحكومة السابق نفسه بتمويل المجموعات الاسلامية السلفية التكفيرية، وتلمح إلى أنه طلب منها فتاوى تكفر بعض سياسيي المدينة وتتهمهم بالعلمانية والالحاد.
وبين الرجلين، خرجت أصوات من مجموعات سلفية متشددة تندد بالفريقين وتتهمهما بالخيانة، وببيع دماء شهداء التبانة زأن التسوية تمت على حسابهم وعلى حساب قادة المحاور، ومما زاد من نقمة هؤلاء ان هناك من ابلغ قادة محاور محسوبين على هذا الفريق وذاك بالتواري عن الانظار لان الجيش سيوقف من يعترض طريقه.
وفي هذا السياق، تشير الأوساط نفسها إلى أن حالات النقمة على القائد الأمني السابق وتياره هي أوسع من النقمة على جماعات رئيس الحكومة السابق باعتبار ان الأوّل شكل على مدى السنوات التي مضت الداعم الاول لمعظم المجموعات المسلحة في التبانة وعند حلول التسوية تخلى عنهم عند أول مفترق طريق، ولهذا السبب كانت ردة الفعل عنيفة على المحاولات التي جرت لعقد مصالحة بين التبانة وبعض شرائح جبل محسن واعتبروا أنها غير ممكنة ودماء الضحايا لم تجف بعد وأنّ أي مصالحة من هذا النوع تحتاج الى تدابير واجراءات اكثر شمولية ووفق اصول تعتمد في المصالحات الوطنية الكبرى.
غير ان معظم الشرائح الشعبية في التبانة، ولا سيّما المتضررة من جولات العنف، هي اليوم اكثر ارتياحا للخطة الامنية، لانها باتت في وضع معيشي لا تحسد عليه، ومنها اصحاب المحلات والمؤسسات التجارية، التي اعتبرت أن الخطة الامنية هي خطة الانقاذ لها من خوّات كانت تفرض عليهم، وشكلت عامل ارهاق اقتصادي اوصلها الى حالة الافلاس، وبدا ذلك من خلال تفاقم حزام الفقر والبؤس وتهجير اصحاب هذه المؤسسات والمحلات مما رفع من منسوب البطالة في التبانة التي دفعت اثمانا باهظة لاقتتال عبثي ولم يستفد منه سوى قادة محاور الّذين كانوا يجدون في الاقتتال مزاريب مال وسلاح..