لم يكن خبر تنحية رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان بالخبر الذي قد يمر مرور الكرام، لما لهذا الشخص من ارتباطات خارجية ونظرا للملفات الحساسة التي كان يمسكها ويشرف عليها بشكل شخصي منذ العام 2012.
وعلى اعتبار أنّ تعيين الامير بندر كان في العام 2012 أي العام الذي شهد تقلبات مصيرية لأنظمة في منطقة الشرق الاوسط، فلا يمكن أن يكون تنحّيه يعود لأسباب صحية أو بناءً لطلبه الشخصي.
وبالنظر الى التوقيت الذي حصل فيه الاعلان عن التنحي، سنجد أنه ارتبط بحدثين بارزين، تمثل الاول باعادة تقارب وجهات النظر الاميركية السعودية في مقاربتهما لملفات المنطقة، والثاني يعود للسقوط المدوي الذي شهده "جيش الاسلام" في سوريا والذي كان يسيطر على منطقة القلمون والغوطتين الشرقية والغربية.
فبندر الذي كان سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة الاميركية، وكان يوصف بانه الرجل الاول لاميركا في السعودية، كان هو نفسه الشخص الذي تسبّب بالخلاف بين البلدين الذي ظهر لأول مرة على العلن، وبحسب المراقبين فان هذا الخلاف كان نتيجة لعجز بندر بن سلطان عن الايفاء بوعوده لاميركا وخصوصا في سوريا.
وقد ظهرت اولى بوادر الخلاف الاميركي-السعودي حين حذر الامير بندر من مخاطر عدم توجيه ضربة الى سوريا وما سيترتب عليها من نتائج بين البلدين. كما انه لا يمكن فصل زيارة هذا الرجل الى روسيا وتهديده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حينها بتخريب الاوضاع الأمنية قبل دورة الالعاب الشتوية في سوتشي الروسية، ولكنه سمع كلاما حازما من بوتين "بعدم المساس بأمنه القومي والا..".
وعند النظر في ما قد أقدم عليه بندر بن سلطان بعد تراجع الولايات المتحدة الاميركية عن ضرب سوريا، في ظل الحراك الاميركي الروسي بالتعامل مع الموضوع السوري، سنجد انه حاول اعادة طرح عسكرة الازمة السورية بما يضمن له البقاء بصفته اللاعب الاقوى في المنطقة لما كان يحضره من حصار لمدينة دمشق.
وفي الميدانيات السورية وتأثيرها عليه، سنجد أن الامير بندر كان قد جمع أكثر من 50 فصيلا من فصائل المعارضة السورية تحت لواء "جيش الاسلام" بقيادة زهران علوش، واشرف على عملياته، وكان قد حدد مهامه بمحاصرة العاصمة السورية دمشق وقلب نظام الحكم بطريقة مفاجئة. الا أنه ومع مرور الوقت لم يستطع هذا الجيش رغم كل ما حصل عليه من عتاد وعديد ان يبقي على سيطرته على أكثر المناطق الاستراتيجية (القلمون) بالنسبة له. في المقابل، استطاع الجيش السوري و"حزب الله" أن يسقطا "جيش الاسلام" في معارك تكتيكية دفعته للانسحاب وتسليم نفسه في مدينة القلمون تحديدا وما استتبعه من انسحابات في بقية المناطق وصولا الى الغوطة في ريف دمشق حيث اخر نقطة يتواجد فيها. وعلى اعتبار ان الاسبوع الماضي كان حاسما في معارك القلمون وريف دمشق، فقد أكدت مصادر لـ"النشرة" بان الجيش السوري و"حزب الله" يقومان منذ الامس بقصف عنيف على آخر معاقل "جيش الاسلام" في المليحة وكفربطنا وزبدين وسقبا بالغوطة الشرقية وحققا اهدافا مباشرة في تحصينات المسلحين، مشيرة الى أن "سلاح الشيلكا للجيش السوري استهدف مجموعة كاملة لـ"جيش الاسلام" في الجهة الشمالية لبلدة المليحة، كما ادت هذه الاشتباكات الى استهداف السيارات المحملة برشاشات "الدوشكا" التي كان يستعملها المسلحون"، مرجحة أن "تكون الايام المقبلة هي فاصلة في الغوطة وخصوصا ان القصف سيستتبعه هجوما عسكريا كما حدث في القلمون التي كان يتوقع لها ان تطول لأشهر".
وبالتالي وعلى اعتبار ان الموضوع السوري كان هو اكثر الملفات تفاعلا في المنطقة بيد رئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان، وان المرحلة القادمة بدأت تلوح فيها اوجه التقارب بين الاميركي والسعودي، وفتحت فيها قنوات الاتصال المباشر بين السعودية وايران، بالتالي فان كل هذه المؤشرات تثبت بان الامير بندر في هذه المرحلة لم يعد يفيد بلاده في هذا المنصب، ولكن السؤال الابرز في هذا الخصوص هل ستشهد السياسات الخارجية السعودية تغيرات بحجم الملفات التي كان يمتلكها هذا الرجل؟ سؤال سيجد له حتما جوابا مستقبلا.