أعادت الأحداث الامنية التي شهدها مخيما عين الحلوة والمية ومية في منطقة صيدا (جنوب لبنان) لجهة استمرار عمليات الاغتيالات لقيادات فلسطينية وطنية وناشطين اسلاميين، الاضواء على واقع السلاح الفلسطيني في لبنان من عنوانه الامني، فيما جاء تصريحا وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الجديد الوزير السابق حسن منيمنة بمثابة «ناقوس خطر» من تداعياته الداخلية وعلى الامن اللبناني.
غير ان السؤال المطروح اليوم بقوة في الاوساط السياسية اللبنانية والفلسطينية معاً هو هل فعلاً بات السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها ليس له مبرر؟ وهل حان موعد سحبه او على الاقل تنظيمه؟ وهل لذلك علاقة بما يجري من اشتباكات في سورية والمخاوف من ان يتحول عامل تهديد للاستقرار الامني اللبناني والسلم الاهلي؟ وهل سقطت الحصانة عنه في لعبة المصالح الاقليمية والدولية؟ ام مازال حاجة ملحة ارتباطاً بعملية السلام كورقة ضغط للدفاع عن حق العودة ورفض التوطين؟
تساؤلات كثيرة ومشروعة في ظل ظروف ما يجري في المنطقة من تطورات سياسية وامنية، لكن مصادر فلسطينية تؤكد ان الكرة ليست في الملعب الفلسطيني أصلاً «فالرئيس محمود عباس اعلن اكثر من مرة خلال زيارته لبنان وفي مواقفه العلنية موافقته على جمع السلاح وتسليمه».
وترى اوساط متابعة ان الإشكال في هذا الملف يكمن في نقطتين «اولا في موقف بعض الفصائل الفلسطينية المؤيدة لسورية والتي ما زالت تحتفظ بالسلاح داخل المخيمات وخارجها كعنوان «مقاومة» في وجه العدو الصهيوني وهي تعتبر ان هذا السلاح لا يشكل خطراً على الاستقرار اللبناني، وبالتالي فهو يتمتع بحصانة الحلفاء ومن بينهم «حزب الله»، والثاني في عدم جهوزية الدولة اللبنانية نفسها لفتح هذا الملف في ظل الاختلاف السياسي الداخلي وعدم الرغبة في اقرار الحقوق المدنية والاجتماعية والانسانية للشعب الفلسطيني، لان تسليم السلاح سيقابله فتح حوار رسمي ثنائي وصولا الى اقرار الحقوق بما يعطي الفلسطيني طمأنينة وهو الامر غير المتاح حاليا في ظل الانقسام السياسي اللبناني وحكومة الرئيس تمام سلام التي هي اشبه بحكومة تصريف أعمال واتجاه البلاد نحو الفراغ الرئاسي».
في المقابل، تنشط القوى الفلسطينية الوطنية منها والاسلامية لقطع الطريق على ذريعة «فوضى السلاح» بسلسلة من الخطوات السياسية والامنية، اذ شكلت القيادة العليا للقوى والفصائل الفلسطينية وهي بمثابة المرجعية السياسية والامنية للشعب الفلسطيني في لبنان، ويُتوقع ان يساهم اتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» في اعادة الاتفاق على مرجعية «منظمة التحرير الفلسطينية» بعد انضمام حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» اليها، وبالتالي ان ينعكس التوافق ايجاباً على تحصين أمن المخيمات وسد الفراغ في استقطاب عناصر ومجموعات قد تعمل لحسابات وأجندات غير فلسطينية، كما شكلت «القوة الامنية المشتركة» في عين الحلوة وهي بدأت تتداعى امام استمرار مسلسل الاغتيالات الذي يهدف الى ايقاع الفتنة بين مختلف مكونات النسيج الفلسطيني، فضلا عن افشال القوة الامنية نفسها بعدما شكلت عامل امان لابناء المخيم، وصولا الى اجهاض «المبادرة الفلسطينية الموحدة» التي اعلنتها القوى والفصائل منذ شهر تقريبا من اجل حماية المخيمات والحفاظ على العلاقات الفلسطينية اللبنانية.
ومن المتوقع ان يعقد لقاء سياسي في السرايا الحكومية بين رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الجديد الوزير السابق حسن منيمنة ووفد من القوى والفصائل الفلسطينية في لبنان الساعة العاشرة من صباح يوم غد، من اجل فتح خطوط التواصل والتعاون في ضوء الاحداث الامنية التي شهدتها بعض المخيمات الفلسطينية.
ويعتبر اللقاء هو الاول بين الجانبين بعد تعيين منيمنة خلفا لرئيس اللجنة السابق الدكتور خلدون الشريف ومن المتوقع ان يثار فيه ما ادلى به منيمنة من مواقف حول السلاح الفلسطيني في المخيمات وضرورة تنظيمه بعدما بات بنظر الكثيرين يشكل خطراً على الداخلي الفلسطيني نفسه وعلى الجوار اللبناني في ظل عقبات كثيرة تحول دون سحبه الان.
في هذا الوقت، بقي الوضع الامني «الهش» في مخيم عين الحلوة يترنح بين احتمالات الانفجار المفاجىء وبين مساعي التهدئة السياسية. وقد دق الناطق الرسمي باسم «عصبة الانصار الاسلامية» الشيخ ابو شريف عقل ناقوس الخطر من تواصل مسلسل الاغتيالات، قائلا «المخيم في خطر والمشايخ على لائحة الاغتيالات»، متوقفا عند دعوة الوزير نهاد المشنوق (من صيدا تحديداً) ومسؤول ملف الحوار اللبناني الفلسطيني الى سحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات، قائلا «ليحمل الحكماء همّ هذا المخيم، فالمؤامرة كبيرة، وملف اللاجئين في خطر بدءاً من العراق مروراً باليرموك وصولا الى هذا المخيم، فليأخذ الحكماء دورهم، قبل ان نندم جميعاً ساعة لا ينفع الندم، وقبل ان ندفع جميعا الثمن من أعراضنا ودمائنا ومقدساتنا، ولنتقي الله بهذا المخيم بأطفاله ونسائه ورجاله، بالدماء المحرمة والارواح المعصومة».