يتوقع أن يواجه قرار الوزير بطرس حرب بإلغاء إلزامية تسجيل أرقام الهوية الإلكترونية للأجهزة الخلوية الـIMEI بجملة من الاعتراضات من قبل الشركات المعنية، لكن المواجهة الأكبر سوف تكون مع وزارة المالية التي لم تستشر في القرار الخاضع لسلطتها المشتركة مع وزارة الاتصالات.

يستعجل وزير الاتصالات بطرس حرب اتخاذ أكبر عدد ممكن من القرارات المتعلقة بقطاع الاتصالات في لبنان، التي تصنف في خانة «الشعبوية»، من تخفيض الكلفة الى عودة «تليكارت» وصولاً الى قرار إلغاء إلزامية تسجيل أرقام الهوية الإلكترونية للأجهزة الخلوية الـIMEI الذي سيبدأ العمل به وفق ما أعلن حرب ابتداءً من 5/5/2014.

يقدّم وزير الاتصالات مبررات كثيرة لقراره، تبدأ بالتقني مروراً بالاقتصادي والسياحي والأمني، ولا تنتهي عند اتهامات خطيرة بالتزوير والتلاعب بعمليات التسجيل واستنسابيتها، تقتضي إذا ثبتت جديتها إحالة الملف على النيابة العامة المالية.

لكن ذلك لا يلغي أن هذا القرار ينطوي على مخالفة دستورية وقانونية واضحة، إذ إن فرض تسجيل الاجهزة كشرط إلزامي لولوج شبكتي الخلوي في لبنان نص عليه المرسوم رقم 9474، الصادر في 10/12/2012، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية، في العدد 53، الصادر بتاريخ 20 كانون الأول 2012. وبالتالي لا يمتلك وزير الاتصالات صلاحية إلغاء مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بقرار صادر عنه شخصياً، فضلاً عن أن قراره يلغي أيضاً قراراً تنفيذياً للمرسوم صادر عن وزارتي الاتصالات والمال، وليس فقط عن وزارة الاتصالات، كما هي حال القرار الجديد.

خليل، في اتصال مع «الأخبار»، أكد أن الوزير حرب لم يستشره في قرار الإلغاء، وأن الموضوع لم يعرض على مجلس الوزراء وفق الاصول، وأن هذه القضية سوف تكون موضع متابعة من قبل وزارة المال وفق الاصول القانونية.

وعلمت «الأخبار» أن شركات استيراد الهواتف الخلوية، خصوصاً تلك الحائزة وكالات حصرية مثل سامسونغ وأل جي ونوكيا وغيرها، سوف تعقد اليوم اجتماعاً موسعاً لدراسة الموقف والرد على ما أدلى به الوزير حرب. وكانت هذه الشركات قد عملت لأكثر من عام من أجل صدور قرار عن الوزير السابق نقولا صحناوي ينظم عملية تسجيل أرقام الهوية الإلكترونية للأجهزة الخلوية الـIMEI.

يبرر الوزير حرب قراره بوجود نتائج سلبية نتجت من فرض إلزامية تسجيل الأجهزة الخلوية، إذ «تسبب هذا التدبير بحالة من التذمر الشديد لدى المواطنين، وخصوصاً أولئك القادمين من خارج الأراضي اللبنانية، ما أساء كثيراً إلى سمعة لبنان السياحية». ويورد أمثلة كثيرة عن انزعاج المستخدمين من إجراءات التسجيل، لكونه يعقّد عملية استبدال الأجهزة وإعارتها أو الاستعانة بها مؤقتاً.

ويؤكد مدير إحدى شركات استيراد الهاتف الخلوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن هذه المشاكل يمكن حلها بسهولة من خلال قرار يصدر عن الوزير يعطي السياح القادمين الى لبنان فترة سماح تمتد لشهر أو شهرين لاستخدام شرائح لبنانية في هواتفهم من دون الحاجة الى تسجيلها. ويأسف هذا المدير الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لكون وزارة الاتصالات لم تطلب رأي الشركات لمواجهة أي صعوبات تقنية تتعلق بالقرار وكيف يمكن تفاديها. ويعطي مثالاً على ذلك الإجراء المتعلق بإعادة تسجيل الهاتف في كل مرة يتم نقله بين شريحة لبنانية وأخرى. فالمطلوب أن يتم تسجيل الرقم التسلسلي للهاتف عند استخدامه أول مرة في خط لبناني، ولا حاجة لاحقاً إلى إعادة التسجيل في كل مرة يتم وضع شريحة لبنانية أخرى، لأن المغزى من التسجيل هو مكافحة التهريب، وهو أمر مرتبط بتسجيل الرقم التسلسلي في قاعدة البيانات لدى الوزارة مرة واحدة، وليس في كل مرة يستخدم فيها الهاتف في شريحة لبنانية جديدة.

أما حول ادعاء حرب أن القرار يقضي على التجارة الصغيرة المرتبطة بإعادة بيع الأجهزة الخلوية المستعملة، وبالتالي القضاء على فرص العمل الناتجة من ذلك، ويتسبب في إضعاف حركة المبيعات وحجم الاشتراكات في خدمات الهاتف الخلوي، فيمكن الرد عليها ببساطة من خلال حجم التعامل التجاري بالأجهزة المستعملة التي لم تتراجع في لبنان رغم القرار، لأن الجهاز يمكن تحريره قبل أن يباع، سواء بشكل مباشر بين المستهلكين أو عبر تجار المفرق.

أما حول فتح باب الاستنسابية السياسية لدى وزارة الاتصالات في تسهيل أو تعقيد معاملات التجار، لجهة تسجيل الأرقام التسلسلية (IMEI) العائدة لكميات أجهزتهم المستوردة، وبالتالي خنق بعض التجار وتأخير إدخال أجهزتهم إلى السوق اللبنانية لمصلحة تجار آخرين، وذلك حسب معايير الانتماء السياسي أو غيرها من المعايير الاستنسابية، فهي تبقى اتهامات ما لم تجر إحالتها على القضاء المختص، ولا سيما أنه لم يسبق أن أعلن أي من التجار أنه تعرض لهذه الاستنسابية.

وبحسب حرب، فإن هذا التدبير قد أدى إلى إنتاج قاعدة معلومات واحدة موحدة تجمع كل أسماء وأرقام المشتركين في الهاتف الخلوي، مع رابط تقني وزمني يربطها بالأجهزة المستعملة ونوعيتها وموديلها وماركتها. وقد تسمح هذه القاعدة، وبشكل تلقائي لا يمكن التفلت منه، بتتبّع مآل أي رقم هاتف خلوي، وكذلك مآل أي جهاز خلوي من دون الحاجة إلى استخدام برامج تحليل متطورة في هذا المجال، ما يتيح للمنظمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة تتبّع حركة الاتصالات بسهولة فائقة في حال حصولها على قاعدة المعلومات هذه أو التسلل إليها، وكذلك سهولة متابعة الاشخاص المستهدفين وملاحقتهم.

في المقابل، يؤكد مصدر مقرّب من الوزير صحناوي أن الاسباب الأمنية التي أوردها حرب لم تستند الى رأي استشاري من الجهات الامنية الرسمية، بل على العكس، لقد لاقى مشروع «تنظيم الولوج الى الشبكتين الخلويتين للهاتف» ترحيباً كبيراً من الأجهزة الامنية، لكونه يتيح لهم التعرف بشكل أدق إلى هوية الارهابيين. وأتى قرار الوزير حرب ليتعارض مع الجهود المشتركة لجميع الأطراف السياسية لتشكيل الوحدة الحكومية الجديدة لمكافحة الإرهاب.

وفي حين يقول حرب إن زيادة الرسوم الجمركية طيلة العام الذي لحق تنفيذ القرار لا تتعدى عشرين مليار ل.ل.، وإن رسوم الضريبة على القيمة المضافة لا تتأثر أبداً ببقاء هذا التدبير أو بإلغائه، يتبين من الجداول الرسمية الجمركية أن إجمالي العائدات الجمركية والضريبية المتحققة من استيراد الهواتف الخلوية بطريقة شرعية خلال الاشهر الثمانية على تطبيق القرار وصلت الى حوالى خمسين مليار ليرة، لكن المقارنة بين كمية الهواتف المستوردة في عام (. مليون هاتف) وعام ( ألف هاتف) تكشف حجم عملية التهريب غير الشرعي، الذي بالتأكيد لا يخضع للضريبة على القيمة المضافة، ما يزيد من قيمة الاموال التي ستخسرها الخزينة جراء قرار الوزير حرب.