من منا لم ينسَ تجربة مخيم تل الزعتر ومخيمات عين الحلوة والبرج وغيرها من المخيمات الفلسطينية المنتشرة على جميع الاراضي اللبنانية؟ هي تجربة مريرة لا شكّ في ذلك، نظراً للنتائج الامنية والاقتصادية والاجتماعية.
القصة اليوم من عرسال، وهي بناء مخيم سكني للنازحين السوريين من القلمون في البلدة، عبارة عن غرف متكاملة، مسجد، مدرسة، وحفر بئر لمياه الشرب. اذا نحن أمام مخيّم كامل متكامل يضمّ كلّ مقوّمات الحياة.
إنها قضية النازحين من جديد تطل في هذا الوقت لكن بأسلوب يُشعر اللبنانيين بتوطين هؤلاء. هذه المرة ليست قضية خيمة أو مخيم صغير في لبنان، إنها مسألة بناء مسكن يضمّ مقوّمات أيّ مدينة، يمكن العيش فيها، والتي تسعى إليه إحدى الجمعيات التي تعنى بمساعدة النازحين السوريين.
تسعى جمعية "انقاذ" إلى الحصول على تبرعات من أجل بناء هذا المسكن الذي تكلف كل غرفة فيه 1050 دولار أميركي، وهي جمعية كويتية تتخذ من العاصمة الكويت مركزاً لها، تعنى بتقديم المساعدات الى النازحين السوريين، وتجمع التبرعات من اجل ذلك. "النشرة" اتصلت بالجمعية التي يعترف أحد ناشطيها انه بالفعل "بدأ العمل على المسكن"، الا انه لم يشأ ان يذكر لنا مكانه في عرسال او طريقة التبرع في لبنان.
من جهته، يوضح رئيس بلدية "عرسال" علي الحجيري عبر "النشرة" انه "يوافق على بناء مثل هذه المخيمات في عرسال، ولا مشكلة في ذلك". ويلفت الى انه "لا يعلم ما إذا كان قد تم البدء ببناء هذه المساكن في جرود قريته". لكن نائبه أحمد فليطي نفى نفياً قاطعاً "وجود مثل هذه المخيمات في عرسال". واعلن رفضه لذلك الامر "لما له من اثار اجتماعية واقتصادية وحتى امنية على البلدة، والاهم هو خطر تثبيتهم فيها".
وفي الموضوع عينه بدا أن حلّ أزمة السكن للنازحين السوريين يتمدّد الى مناطق أخرى، فقد كشفت مصادر مطلعة لـ"النشرة" أنه تم بناء منشآت سكنيّة لهؤلاء "على أرض القرعون من الباطون ويضم حوالي خمسين عائلة". هذا ما يؤكده رئيس بلدية القرعون يحيى محمد ضاهر لـ"النشرة"، لافتا الى أن الارض تستعمل حالياً لإيواء النازحين الا أنه سيستفاد منها مستقبلا لتصبح ارضا للكشّاف المسلم تضم منشآت رياضية وكشفية باسم "قرية حياة الكشفية".
من جهته، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، في حديث لـ"النشرة"، انه "يرفض بناء مثل تلك المخيمات". ويشير إلى أنّ "هناك تعليمات من وزارة الشؤون الاجتماعية الى السلطات المعنية في منطقة البقاع الشمالي بمراجعة الوزارة بشأن بناء اي تجمع للنازحين السوريين، وانه سيتم رفض أي طلب لبناء مثل هذه المخيمات في حال تم تقديمه الى الوزارة لما لها من أثار اجتماعية وامنية واقتصادية". ويدعو الى "بناء مراكز استقبال لتنظيم دخولهم والى بناء تجمعات على الحدود بين لبنان وسوريا".
اذاً، هي قضية النازحين التي تحاول الدولة الاستفاقة من كبوتها لمعالجتها، على الرغم من النداءات المتكررة للبعض في بداية الازمة السورية لوضع خطّة متكاملة تمنع من توطين هؤلاء. فهل ما يحصل يطل بوجه اخر لتثبيت النازحين في لبنان على غرار ما حصل مع الفلسطينيين، وهذا ما ينذر بتداعيات سلبية تتخطى موضوع النزوح بحدّ ذاته؟ لكن السؤال الاهم: هل يتحمل لبنان هذا الموضوع في ظل الازمات الاقتصادية والامنية التي يعاني منها؟
يذكر ان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أشار خلال ورشة عمل حول الدبلوماسية الاغترابية، إلى اننا "نشهد اليوم محاولة توطين 400 ألف لاجىء فلسطيني ومحاولة تثبيت مليون ونصف المليون نازحا سوريا"، مؤكدا ان "مجموع غير اللبنانيين هو ما يزيد عن مليونين شخص أي ما يزيد عن نصف عدد اللبنانيين".