يقارن احد المطلعين على الصيغة اللبنانية, بين الطائفتين المسيحية والدرزية , فيعتبر ان الاولى كانت ولا تزال من الطوائف المؤسسة للكيان اللبناني, كان دورها البارز الذي استمر منذ تأسيس لبنان الى ان بدأ يضمر ويتراجع , وصولا الى سقوط القيادات المسيحية في قبضة الطوائف الاسلامية , بينما طائفة الدروز استمرت شريكة ولاعبة اساسية رغم النقص الهائل والفوارق الواضحة لناحية اعدادها , لكن القيادات الدرزية استعاضت عن النقص العددي , بالاتحاد فيما بينها خصوصا في ساعات الذروة والمصير , وبقيت طائفة الموحدين لاعبا وازنا لدى كل استحقاق , والذي زاد من قوتها , هو في التموضع الذي لزعيمها وليد جنبلاط, فرغم الاوصاف التي اطلقها الآخرون على الانتقال الدائم للزعيم الدرزي , فان وليد بك اثبت بما لا شك فيه انه ادرى بالطائفة الدرزية وبشعابها.
وشدد هذا المطلع على الصيغة اللبنانية بأن الزعماء المسيحيين حاولوا الانتقال من خندق الى آخر , وعقدوا تحالفاتهم السياسية خلافا لخياراتهم المعتمدة سابقا , لكن حراكهم بقي في اطار المصلحة المسيحية بشكل عام , خلافا لما اعتمده وليد جنبلاط , الذي وضع طائفة الدروز نصب اعينه خصوصا في ظل لعبة الامم الخطيرة جدا في هذه المرحلة , وهكذا استطاع ونجح في اقناع سائر القيادات الدرزية التي دعمته رغم الخلافات السياسية العميقة معه.
هذا الامر لم يحصل بمثله لدى القيادات المسيحية التي بدت كالافاعي "المشوبة" داخل السلال , يريد الجميع لدغ الجميع , من دون اي شعور بخطورة الاوضاع الاقليمية وما يجري حولهم في البلدان المجاورة.
لذلك يعتبر المطلع على الصيغة اللبنانية بأن دارة المختارة تليق بها معارك البقاء, فهي كانت ولا تزال , تحمل الراية الدرزية في صراع يقوده سيدها , منذ ايام الشهيد كمال جنبلاط وصولا الى نجله وليد الذي يضاهي والده بكيفية "قطع" الرؤوس عندما ترتفع السيوف في المعارك المذهبية وحين تقرير المصير والبلدان في الشرق الاوسط.
ويروي المطلع على الصيغة اللبنانية بأن كمال جنبلاط حول دارة المختارة الى "كولوكيوم" يمتحن في الدار المرشحين للرئاسة الاولى , بعضهم رسب في الامتحانات الشفهية والبعض الآخر نجح وفاز بالكرسي الاولى , ما سمح لكمال بيك ان يتباهى ويقول :" قلنا لذلك زل فزال وقلنا لذلك كن فكان" هذه الامتحانات الرئاسية حولها وليد جنبلاط الى مواصفات , فاصبحت رئاسة الجمهورية تمر موضوعة في قالب وسطي , لا يستطيع اي رئيس فريق ان يمر او يحكم سعيدا في بعبدا.
وبالعودة الى المعركة الرئاسية الحاصلة اليوم فان الزعيم الدرزي يتعرض لحملات من مختلف الافرقاء بسبب تسميته النائب هنري حلو من كليمنصو لرئاسة الجمهورية حيث ردت مصادره بأنه لو ان المسيحيين عموما والموارنة عن وجه الخصوص قدموا مرشحا توفقوا عليه لكان اول من رحب به وايده ومنحه اصوات كتلته مؤكدا انه ليس في وارد استنساخ دور والده وهو يسعى الى كسر حال التأزم والانقسام بين فرقي 8 و14 آذار.
اضافة الى ذلك الجدل الذي دار بين النائب فريد مكاري والوزير وائل بو فاعور حيث اكد مكاري ان توافق "المستقبل" وعون حسنته كانت الغاء دور جنبلاط كبيضة قبان , فرد عليه بو فاعور بأن جنبلاط ساهم في حفظ السلم الاهلي وان "هذا الدور لجنبلاط يكفينا ان يقدره العقلاء ولا يغبطنا ان لا يفقه معناه من شحت بصيرته وقصر نظره في رؤية الامور"
فماذ تقول مصادر جنبلاط عن دور الدروز في صناعة الرؤساء وفي كونهم بيضة القبان في معظم المحطات؟
مصادر مقربة من جنبلاط اكدت ان "ابو تيمور" يرفض تشبيه دوره بالذي لعبه والده الشهيد كمال في الخمسينات او في مرحلة ما قبل الحرب و وبالتالي فهو لا ينطلق من استكمال دور والده هذا اولا.
اما ثانيا يضيف المصدر ان رئيس الجمهورية قبل "اتفاق الطائف" شيء وحاليا شيء آخر , فقبل الاتفاق كان الرئيس يمثل السلطة التنفيذية في لبنان , اما بعده فقد اصبح مجلس الوزراء مجتمعا يمثل هذه السلطة في حين ان رئيس الجمهورية هو رمز الوحدة الوطنية, وهذا الامر اعطى انطباعا في الماضي ان معارضة الرئيس او ترشيحه كان في سبيل الوصول الى السلطة التنفيذية المطلقة للرئيس, اما اليوم فهو رمز وحدة البلاد من هنا نظرة وليد جنبلاط الى موضوع التوافق.
ثالثا حسب هذه المصدر ان زعيم المختارة لا يسعى من خلال وسطيته اليوم ان يكون بيضة القبان كما يتحدث البعض , فهو يحاول ان يقوم بدور توفيقي لان البلاد لا تحتمل المزيد من الانقسامات , لانه عندما تكون هناك مشاورات للتوفيق او لتتفق القيادات المسيحية والمارونية على مرشح , طبعا فان وليد جنبلاط سيكون في مقدمة من يؤيد هذا المرشح .
وعن العتب من اعلان ترشيح النائب هنري حلو من كليمنصو وليس من دارته, لفت المصدر الى انهم يتفهمون المسألة ولكن هذا الامر لم يكن خلفه استئثار جنبلاط او محاولة الظهور بمظهر فرض مرشح على المسيحيين , والامر اتى في الاطار الطبيعي لان الظروف الامنية لا تسمح بالتنقل وبالتالي اجتماعات اللقاء الديمقراطي و"جبهة النضال الوطني" تحصل منذ فترة طويلة في منزل جنبلاط نظرا لان الانتقال والتنقل مسألة مشبوة بالمخاطر , بالاضافة الى انه بطبيعة الحال ان المرشح ينطلق من كتلته ولو كان حلو ترشح من خارج اطار الكتلة لكانت نقطة ضعف.
ولفت المصدر الى ان جنبلاط تحديدا يعرف في هذا الوقت بالذات حساسية الموضوع ويعرف كيف يلتزم حدود مواصفات الرئاسة , فعندما يصبح حلو رئيسا فان البيك يعرف كيف يتعامل معه كرئيس وليس كنائب في كتلته وبالتالي يصبح فوق الجميع وسيتعاطى معه جنبلاط وفقا لهذه الاعتبارات ولا خوف من ان يتم التعاطي معه بفوقية لانه رمز وحدة البلاد.