بات يقيناً عند كل متابع لمجريات الاحداث في سورية منذ نيف وثلاث سنين إن ما يجري هو عدوان خارجي انطلق متكئاً على عناصر محلية مستغلا ظروفا تشهدها أي دولة في العالم تعمل على تطوير بنيتها ومواكبة العصر، عدوان قررته وتستمر في قيادته أعتى دولة في العالم، الدولة التي طمحت يوما بأن تتربع على عرش المعمورة في نظام عالمي أحادي القطبية يجعل من الولايات المتحدة الاميركية سيدة العالم ويجعل ما عداها أتباعاً وأجراماً تدور في فضائها الاستراتيجي الحيوي الذي يشمل العالم كله.
لكن سورية متحصنة بعقائدية جيشها وقوته ووعي الاكثرية الساحقة من شعبها ووطنيته، وبحكمة قيادتها وصلابتها، وصدق تحالفاتها الاستراتيجية وديمومتها، استطاعت ان تواجه العدوان وتدير حربها الدفاعية بشكل علمي ومنهجي يركز بشكل اساس على وجوب منع المعتدي من تحقيق اهدافه في اسقاط الدولة من موقعها وجعلها كياناً أو كيانات فاشلة متناحرة تخدم اغراض المخطط وتمكنه من الانتقال الآمن من الشرق الاوسط حيث اتخذه لعقود اربعة سابقة مسرحه العملاني والاستراتيجي وقاعدته الرئيسية لإقامة نظامه العالمي، الانتقال الى الشرق الاقصى حيث ينظر اليه اليوم بأنه المسرح الاستراتيجي الضروري لحماية المصالح الاميركية. ونعني بالانتقال الآمن، تحريك القوى من غير خوف على النفوذ والســـــيطرة بعــــد خروجهـــا، وهنا تدخل اسرائيل ودورها بعد اعادة التموضع الاميركي، ما يقود الى القول بأن اميركا ارادت نقل سورية من موقعها الاستراتيجي لتريح اسرائيل في وظيفتها الاستعمارية.
و في سياق المواجهة الدفاعية تلك، تمكنت سورية، وبالحد الادنى الممكن من الخسائر، التفلت من كثير من الافخاخ، وان تحبط الكثير من الخطط التي يمكن وفي احصاء سريع لها ذكر اكثر من 8 خطط او سيناريوهات وضعتها اميركا ونفذتها بأيد محلية او اعرابية او اسلاموية، بدءاً بخدعة التظاهر المدني المزيف ، وصولا الى خطط التدخل الخارجي المباشر والعلني. لكن سورية تمكنت من احتواء المخاطر التي شكلتها استراتيجيات العدوان المتعاقبة والمتقلبة، ثم انتقلت في الاشهر الاخيرة الى المرحلة الاهم في المواجهة وهي مرحلة التنظيف واستعادة ما أفسد الارهاب أمنه من مناطق سورية، استعادته الى نظام الامن الشرعي الرسمي بشكل متدرج وبخطا ثابتة وبهذه الاستعادة الممنهجة بات المشهد السوري مرسوما بخطوط يمكن تبين جزئياته كما يلي:
1) الجبهة الغربية اي الحدود مع لبنان باتت بكليتها في قبضة الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة بشكل أسقط دور لبنان السلبي في الازمة السورية واغلق اخطر باب خارجي على دمشق، وبامتلاك السيطرة التامة على هذه الجبهة بدأ التأريخ الفعلي لمسار انهاء الازمة جديا واسقاط العدوان. وان ما قد يشهده المستقبل من بعض الخروقات وظهور خلية ارهابية هنا او جيب هناك ليس من شأنه ان يغير حقيقة او واقع ما ذكرنا لأنه سيبقى تحت السيطرة السورية التي تحول دون تناميه او تطويره.
2) جبهة القلب او الوسط والثقل الاستراتيجي للدولة اي دمشق وريفها وصعودا الى المنطقة الوسطى، تمكنت القوات المدافعة في هذه الجبهة من تفكيك جبهة العدوان وتقطيع اوصالها ومنع الاسناد المتبادل فيما بين اجزائها ما انتج ظروف تطهير هذه الجبهة بكاملها عبر احد مسارين: مسار القوة والمواجهة الميدانية، او مسار المصالحة والنجاة بالأبدان، وقد قطعت الدولة شوطا بعيدا في العمل على هذين المسارين يمكنها من القول بانها تجاوزت المخاطر الرئيسية التي كانت تشكلها تلك الجبهة وما تبقى من تصفية باتت مسألة وقت فقط في مسار مؤكد النتائج.
3) جبهة الشمال اي جبهة الحدود مع تركيا. كان ينظر الى هذه الجبهة على انها اخطر الجبهات على سورية واعقدها بسبب خط التماس القائم عبرها مع الحلف الاطلسي الذي سارع الى تفعيل هذا الخط منذ الاشهر الاولى للعدوان بنصب بطاريات الباتريوت والتحضير للتدخل العسكري المباشر تحت عنوان الدفاع عن تركيا. فضلا عن ان طول هذه الجبهة وطول خطوط الامداد اللوجستي فيها يجعل من عمليات الدفاع عنها أمراً يشوبه الحذر والصعوبة مع تأرجح الثقة بالنجاح.
رغم ذلك تمكنت قوى الدفاع من ادارة عملياتها بشكل ادى الى تراجع المخاطر تلك واحتوائها وصولا الى التحول الى العمل الهجومي في معرض الدفاع وباتت تلك الجبهة بالمنطق العسكري على طريق الاستعادة الموثوقة الى كنف الدولة وخاصة بعد ان تم اجهاض العدوان التركي المباشر في منطقة كسب ورسم سقف للتدخل التركي بشكل عام، وبعد ان صعدت قوات الجيش العربي السوري من عملياتها النوعية في حلب ومحيطها ما بات يمكن من القول ان تطهير حلب العاصمة الثانية لسورية ومركز الثقل الاقتصادي العام للدولة بات مسألة وقت تقاس بالاسابيع التي لن تصل الى بضعة اشهر.
4) الجبهة الشرقية اي الحدود مع العراق، لهذه الجبهة خصوصية مركبة من وجوه سلبية وعناصر ايجابية لمصلحة الدولة في سورية، وقد استطاعت القوى المولجة بالدفاع عن هذه الجبهة ان تتعامل مع هذه العناصر بشكل ادى اليوم الى رسم مسار ينبئ بتساقط الجماعات الارهابية عبر التناحر والاقتتال الداخلي تمهيداً للمرحلة المقبلة التي يتوقع ان تجري على جانبي الحدود بعمل عسكري ينهي خطر تلك الجماعات الارهابية في المنطقة وفي كل الاحوال لا يمكن ومن منظور عسكري استراتيجي بحت النظر بقلق الى هذه الجبهة على الصعيد الوطني العام لأن استعادة السيطرة عليها في الوقت المناسب لن تكون بالامر الصعب او الشأن المعقد.
5) الجبهة الجنوبية اي الحدود مع الاردن والجولان السوري المحتل من قبل العدو الاسرائيلي. قد تكون هذه الجبهة اليوم هي المتقدمة على سواها من جهة حجم وعمق الاخطار التي تشكلها ميدانيا واستراتيجيا وخاصة مع ما يتردد من نية اسرائيلية لاستعادة مشهد الجنوب اللبناني قبل العام 2000 وتطبيقه في المنطقة الملاصقة لمنطقة الفصل في الجولان وعلى امتداد 60 كلم وفي عمق 35 كلم داخل الارض السورية مع اقامة مجموعات عسكرية سورية تعمل بإمرتها كما كان جيش انطوان لحد في الجنوب اللبناني.
للوهلة الاولى، وبنتيجة مراقبة ما يجري في المنطقة ومع اعلان «التحالف الاستراتيجي الصهيوني – جهادي» (وفقا لتسميتهم،) وهو في الحقيقة تحالف الارهابيين الصهيوني والتكفيري واظهار حقيقة العدوان على سورية بانه عمل خارجي بأدوات اقليمية ومحلية، مع كل ذلك يمكن القول بان مشروع الحزام الامني الاسرائيلي في حوران بات مشروعا جديا وبدئ بتنفيذه، هذا في ظاهر الامور.
لكن دراسة عسكرية ومراقبة دقيقة لكيفية ادارة سورية لمعركتها الدفاعية تقود الى قول مغاير، لان سورية التي اتقنت فن ترتيب الاولويات في الميدان بشكل عقلاني واقعي لم تنزلق الى الاستدراج الذي شاءه العدو من تدخله الى جانب الارهابيين في تلك الجبهة ولم تتوقف عن انجاز ما بدأته في الجبهات الثلاث الاولى، لأنها لو اخطأت في الحساب لامتنع عليها تحقيق الانجازات المذهلة على تلك الجبهات. لذلك وبطمأنينة نقول ان سقف العمل الاسرائيلي الى جانب الارهابيين في الجنوب سيبقى منخفضا وستكون القوى السورية قادرة وبكل تأكيد على التعامل معه بما يؤدي الى تصفيته والحؤول دون قيام اي نوع من انواع الاحزمة الامنية، اقول هذا ميدانيا دون ان اكون مضطرا لسرد عناصر اخرى تجهض خطة العدو الاسرائيلي.
أما على الاتجاه الاردني فقد بات واضحا ان تحولا ما بات يلوح في الافق، تحول ألزم الاردن بمراجعة الكثير من مواقفه السلبية من الازمة السورية وخدماته الجلية التي قدمها للعدوان مقابل مبالغ من مال او رضوخا لضغوط، لأنه وضع الآن بين خيارين احدهما خيار مصيري ولمس بيده أن مستقبل الاردن كله كدولة بات تحت علامة استفهام كبرى ولهذا سيكون عليه الاهتمام بمصيره اكثر من الرغبة بالأموال وهذا سيكون حتما في مصلحة المعركة الدفاعية عن سورية.
أخيراً وبإجمال عام نقول بان سورية صنعت من الانجازات في الميدان ما جعلها مطمئنة الى نجاحها في حربها الدفاعية، الامر الذي يمكنها من السير قدما في العملية السياسية التي ينص عليها دستورها النافذ دون ان تعبأ بصراخ الفاشلين في تحقيق مآربهم العدوانية، وعلى هذا الاساس نفهم مواقف الغرب الاخيرة لجهة الاعلان عن تسليح الارهابيين باسلحة متطورة فتاكة او غير فتاكة، او اعادة إثارة مسألة السلاح الكيماوي او استعجاله لنقل كمية الـ 8% المتبقية منه الى آخر سلسلة المواقف التحرشية، نفهمها بانها نوع من تنفيس الاحتقان والغيظ تماثل في خلفيتها واهدافها تفجيرات وقذائف القتل العشوائي الاجرامي التي ينفذها الارهابيون ضد دمشق وريفها واماكن سورية اخرى رفضتهم. وكما ان تلك القذائف لم ولن تغير اتجاه مسار الدفاع الناجح فان مواقف الغرب التهويلية لن تؤثر في مسيرة سورية لإنهاء الازمة ميدانيا وسياسيا بحل سياسي وطني محصن بعمل عسكري ميداني يقتلع الارهاب من الارض السورية. وفي هذا الاطار تأتي انتخابات الرئاسة السورية لتشكل صفحة رئيسية في كتاب الدفاع عن سورية.