بكّر موسم الحرائق هذا العام واختار اكثر المناطق جمالاً في وادي خندق الرهبان في بعبدا، الذي يمثل متنزهاً طبيعاً لاهالي المنطقة، واتت النيران على مساحات شاسعة من الإحراج التي كانت مهددة اصلاً بمشروع شق طريق الاوتوستراد العربي.
تصح نظرية المؤامرة في تحليل نتائج الحريق الضخم الذي اتى على مساحات واسعة من احراج وادي شحرور وبطشية مروراً بغابة خندق الرهبان وصولاً الى اعالي بعبدا.
لا شك ان سرعة الرياح وارتفاع درجة الحرارة أسهما الى حد بعيد في تصاعد السنة النيران، لكن متابعة مسار الحريق وكيف اتخذ طريقه صعوداً، تبيّن انه عبر المنطقة نفسها التي يعارض السكان مرور الاوتوستراد العربي فيها، وهي التي ضربت بالتخطيط منذ سنوات طويلة، ولا تزال الجمعيات البيئية تشن الحملة تلو الاخرى من اجل ابعاد «كأس» الأوتوستراد عن الغابة الجميلة التي تطوعت جمعية الارض لبنان من اجل حمايتها ورعايتها لسنوات طويلة.
رئيس الجمعية بول ابي راشد وصف لـ «الأخبار» ما حدث، قال: «عند الثامنة صباحاً شاهدت اعمدة الدخان تتصاعد في منطقة وادي شحرور، فبادرت إلى الاتصال بالدفاع المدني طلباً للمساعدة. لم اكن أظن ان النيران سوف تتجه بهذه السرعة صوب أحراج خندق الرهبان في وادي بعبدا. للاسف لم يكن باستطاعتنا فعل شيء. النيران كانت اقوى من الجميع، والاولوية بالنسبة إلى طوافات الجيش كانت حماية المقارّ العسكرية والمنازل، ودفعت الغابة ثمناً غالياً، اكثر من 80 بالمئة من الاشجار المعمرة احترقت بالكامل، وليزداد الطين بلة، تغير مسار الرياح ظهراً فعادت النيران تتجه من الجبل الى الساحل لتقضي في طريق عودتها على ما بقي من الغابة.
وطالب ابي راشد بفتح تحقيق مع رؤساء بلديات وادي شحرور وبطشية وبعبدا، وبمساءلتهم عن التقصير الفاضح في عدم القيام باي اجراءات احترازية، وخصوصاً تنظيف الغابات وحمايتها، ولا سيماً في المناطق القريبة من الطرقات العامة. وسأل ابي راشد عن الشرطة البلدية التي لم تكن حاضرة طيلة فترة الحريق في خندق الرهبان.
وتصنف حرائق يوم امس من النوع الذي يصعب احتواؤه، وخصوصاً انها ترافقت مع سرعة عالية في الرياح، الامر الذي ساعد على انتشارها بسرعة قياسية، حتى باتت عصية على تجهيزات الدفاع المدني وعلى طوافات الجيش اللبناني، التي يستريح عدد كبير منها، وخصوصا طوافات السيكورسكي بانتظار اعمال الصيانة. وغرد الوزير السابق زياد بارود معلقاً على الموضوع «بعد اتصال به، اعلمني قائد الجيش (جان قهوجي) ان الـ MEA قدمت هبة قيمتها الف دولار لصيانة الطوافات التي ستعود للعمل بعد أقل من شهر».
سيناريو حريق امس سوف يتكرر هذا العام، وهو يشبه إلى حد بعيد الحريق الذي اتى على عشرات الهكتارات في تموز العام الماضي. الجديد هذا العام ان موسم الحرائق استبق الموسم الرسمي بشهرين كاملين، حيث من المعلوم ان حرائق الغابات تزداد على نحو كبير في الفترة الممتدة من 15 تموز الى 15 تشرين الاول، لكن عوامل التغير المناخي، والصيف الطويل الذي بدأ يظهر منذ منتصف فصل الربيع، وامتداده الى ما بعد نهاية تشرين الاول ، تضاعف جميعها أخطار الحرائق، وهو ما يستدعي بالتالي اعادة النظر في كامل الخطة الحالية الموضوعة لمكافحة الحرائق، التي لا تزال دون الحد الادنى من المستوى المطلوب، وهي لا تمت بصلة الى الدراسة الورقية التي وضعت عام 2007، ويفترض انه بُدئ العمل بها منذ عام 2010.
وتطالب الجمعيات البيئية بحماية الغابات خلال موسم الحرائق، من خلال انشاء أبراج مراقبة للوقاية والإنذار المبكر. أما في ما خص عمليات الإطفاء، فالحل الامثل بوجود فرق صغيرة مجهزة بعتاد بسيط تتمتع بفعالية أكبر، بالنظر إلى صعوبة التضاريس، ولا يلزم تلك الفرق أكثر من عملية تنسيق جدية مع قيادة الجيش وتوفير المروحيات لتأمين نقلهم إلى مكان نشوب الحريق.
خطوات عديدة اتخذت منذ الحريق الكبير الذي نشب عام 2007، ابرزها اقرار مجلس الوزراء «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان»، وشراء طوافات «سيكورسكي» المتخصصة في مكافحة الحرائق، وملايين الدولارات التي انفقت على المنظمات غير الحكومية والدفاع المدني لشراء معدات وبرامج وتدريب الجهاز البشري، لكن كل ذلك ينهار مجدداً أمام اول حريق. وبانتظار اقرار المراسيم التنظيمية ورصد الموازنة اللازمة لتنفيذ قانون النيابة العامة البيئية، لن يقدم أي مفتعل للحرائق أمام العدالة.
وبالعودة الى مجريات الحريق الذي وقع امس، فقد أكد المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار أن «الوضع في أحراج بعبدا بات تحت السيطرة ولا ضحايا، إنما الأضرار البشرية اقتصرت على بعض حالات الإغماء»، لافتاً إلى أن «جهدنا يتركز على منع النيران من الوصول إلى المنازل».
ولفت إلى أنه «استُقدمت سيارات للدفاع المدني من كل المناطق، وجرت الاستعانة بطوافات الجيش اللبناني». وكان قد حضر إلى مكان الحريق عدد من سيارات الإطفاء منعاً لوصوله إلى الأماكن السكنية بعدما حصدت النيران مساحات شاسعة من الأحراج.
ولاحقاً، أُخليت بعض المنازل التي اقتربت منها النيران، إذ أصيب عدد من المواطنين بحالات إغماء نتيجة الدخان الكثيف الناتج من الحريق الممتد إلى وادي شحرور السفلي. كذلك، سُمع صوت قوي في بطشاي يُعتقد أنه ناجم عن قذيفة أو انفجار لغم أرضي في أحراج البلدة، مع احتمال أن تكون القذيفة قديمة العهد، ولم يسجل وقوع إصابات.
من جهته، أعطى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق توجيهاته إلى مديرية الدفاع المدني وفوج اطفاء بيروت للتدخل والمساعدة وبذل أقصى الجهود لإخماد الحريق المندلع. كذلك، أفيد أن ثلاث مروحيات تساعد على إخماد ألسنة اللهب، فيما وصلت إلى مكان الحريق في بطشاي آليات ثقيلة تابعة لفوج اطفاء مدينة بيروت، للمساندة والمساعدة على اطفاء الحريق.
وواجهت فرق الدفاع المدني والجيش وفوج اطفاء بيروت صعوبات في إخماد الحريق، وقد وصلت النيران الى محيط القصر الجمهوري في بعبدا وأحراج اليرزة، وقد أخليت المدارس في المنطقة من طلابها خوفاً من انتشار الحريق.
ولفتت معلومات أخرى إلى أنه أُخلي أحد مواقف السيارات في قصر بعبدا كإجراء احترازي، وطلب من الصحافيين إبعاد سياراتهم من مرأب القصر الرقم 10.
في سياق متصل، دعا وزير البيئة محمد المشنوق المواطنين «إلى التحسب من خطر نشوب الحرائق وسط موجة الحر التي تجتاح لبنان منذ يوم أمس»، مشيراً إلى أنّ «على البلديات وأجهزة الدفاع المدني والإطفاء استنفار كل جهودهم، وعلى المواطنين الإبلاغ السريع عن الحرائق من أجل التدخل الفوري لإطفائها، لأن أي تأخير سيؤدي إلى استفحالها وتهديد البيوت والأحراج في لبنان».