قطعت دوائر الفاتيكان الشك باليقين بأنها لم تلقِ «أمر الطاعة» على رأس كنيسة أنطاكيا وسائر المشرق المارونية الكاردينال بشارة الراعي، مجبرةً إياه على مرافقة البابا فرنسيس في زيارته الى الاراضي الفلسطينية المحتلة. فقد صدر أمس بيان عن المتحدث الرسمي باسم الفاتيكان فدريكو لومباردي قال فيه إن «البطريرك بشارة الراعي ليس جزءا من الوفد الرسمي المرافق للبابا فرنسيس الى الاراضي المقدسة، وهو ذاهب بمبادرة منه».
موقف الفاتيكان مهد له الراعي في مطار بيروت الدولي، حين فتح نيرانه باتجاه كل من ينتقد نيته زيارة الأراضي المحتلة، قائلا إنه ذاهب الى القدس لاستقبال البابا. لم يرمي البيان، استنادا الى معظم الاوساط الكنسية، الذين تحدثت اليهم «الأخبار»، الا الى «تحرير» الراعي من «خطيئة» حضور أي اجتماع سياسي سيعقده. التوضيح يأتي أيضا، بعدما أوحى عدد من السياسيين ورجال الدين بأن اصرار الراعي على هذه الزيارة المثيرة للجدل هو «انصياع» لأوامر الحبر الاعظم، التي لا يقدر الراعي أن يتخطاها، وخاصة أن البابا يأتي الى منطقة تخضع لـ«وصايته»، وبالتالي لا يجوز ألا يجد أحدا بانتظاره.
موقف الفاتيكان كان مفاجئا، «فليس من عادات الكرسي الرسولي اصدار توضيحات في قضايا داخلية، ولا التسبب باحراج لبطاركتها»، استنادا الى أحد المقربين من الراعي. كانت العادة أن «يتستر الفاتيكان على تناقضات مواقف أعضاء الكنيسة». من هنا يبرز التساؤل حول السبب الذي حمل الكرسي الرسولي على اصدار هذا التوضيح «الذي ستكون له تداعيات في العديد من الصالونات الكنسية والسياسية المغلقة، وخاصة في ضوء ما نقلته الصحف سابقا عن أن الزيارة قد تكون محمية من الفاتيكان».
يقول مصدر آخر متابع للشؤون الكنسية إن «السبب وراء التوضيح هو أن الكنيسة الغربية لا تريد أن تُحمّل مسؤولية أي خيار اتخذه البطريرك اللبناني». بمعنى أن يتحمل كل مسؤول تبعات القرار الذي يتخذه، فلا يتلطى خلف الفاتيكان، ويقر المصدر بأن البطريرك «سيد نفسه، ولا أحد يملي عليه أفعاله، لكن يجب أن يراعي وطنه. المرجعية الوطنية تجمع الوطن ولا تفرق أبناءه».
بالنسبة إلى المطارنة، فإن الموقف الصادر عن الفاتيكان «أتى بعدما اتخذ النقاش في لبنان منحى تخوينياً للراعي، واتهامه بالتطبيع مع اسرائيل، وأن البطريرك قد يضطر بسبب مرافقته البابا الى لقاء المسؤولين الاسرائيليين ومصافحتهم». يرون أن «موقف البابا يراد منه القول إن الراعي ذاهب الى منزله من أجل الاطمئنان الى وضع رعيته»، وبالتالي لن «يضطر البطريرك إلى مصافحة الاسرائيليين. هذا البيان هو لمساعدة بكركي، لا احراج له».
ربما كان هدف الفاتيكان فعلا حماية الراعي بعد الزوبعة السلبية التي سببها اعلانه زيارة الاراضي المقدسة، لكنه لم ينتبه الى أن هذا البيان سيترك أثرا سلبيا على الساحة المحلية، وسيُستغل لكيل المزيد من الانتقادات. فإذا كان الحبر الاعظم فعلا لم يُدرج اسم الراعي ضمن الوفد الرسمي، فما الهدف من تخطي شعار «الشركة والمحبة»، وتفرقة اللبنانيين بدل توحيدهم؟ حتى هذا الانقسام لم يسلم منه مجلس المطارنة الموارنة. صحيح أن أحداً من المطارنة لم يرفع صوته رافضاً الزيارة حتى الساعة، لكن يُنقل عن بعضهم أن «كل مطران كان لديه طموح أن يكون خلفا للكاردينال نصرالله صفير فرح بتقلب مواقف الراعي وزلاته». هناك تباين كبير لدى المطارنة، «ويمكن القول أن لا أحد يؤيد الزيارة باستثناء المطارنة بولس صياح، سمير مظلوم والياس نصار، كونهم من المؤيدين الدائمين للراعي». ما يعني أن الانقسام داخل مجلس المطارنة الموارنة لا يرتبط بميولهم السياسية الموزعة بين فريقي الرابع عشر والثامن من آذار. لكل منهم أسبابه، «المؤكد أن هذا الانقسام مؤذٍ للكنيسة المارونية»، وخاصة أن زوار مطران بارز نقلوا عنه قوله إن إعلان «سيدنا نيته زيارة القدس ساهم في إفقاد بكركي موقعها المؤثر في الحياة السياسية، وتحديدا في الملف الرئاسي».