تلتزم قوى الثامن من آذار الصمت حيال زيارة الكاردينال بشارة الراعي للأراضي المحتلة في فلسطين. التيار الوطني الحر والمردة يرفضان أي تشكيك في نوايا الراعي الوطنية، فيما يستعد حزب الله لزيارة بكركي قريباً، وإبلاغ البطريرك موقفه
البحث في كتاب التاريخ يُظهر أن المسيحيين الغيارى على كرامة البطريركية المارونية، المرجعية الدينية الأعلى، كانوا أول المعتدين على حرمتها يوم لم تتطابق مواقفها مع مواقفهم. ففي عام 1983، هاجم مناصرون للقوات اللبنانية والكتائب بكركي وخربوها، يوم كان الكاردينال مار أنطونيوس بطرس خريش سيدها.
بعد أعوام عدة، هجم مناصرون للتيار الوطني الحر على بكركي، وأهانوا الكاردينال نصر الله صفير بسبب موقفه من اتفاق الطائف وأطلقوا عليه لقب «أبو سمير». أما مناصرو فرنجية فقد بايعوه يوماً بطريركاً، ولو بالشعار، عندما اختلف يوماً مع صفير. الكاردينال بشارة الراعي لم يسلم أيضاً من نيران الأمانة العامة للرابع عشر من آذار وأحزابها يوم أطلق مواقف غير معادية للمقاومة وقبل زيارته سوريا وبعدها.
الطرفان اليوم يتسابقان في الدفاع عن «الطائفة»، شاهرين أسلحتهما في وجه كل من يفكر في انتقاد الراعي، الى حد أصبحوا ملكيين أكثر من الملك. مواقف كل من التيار الوطني الحر وتيار المردة لا تزال غير واضحة، والسبب، استناداً الى مصدر في الثامن من آذار أن «العلاقة بين البطريركية ومسيحيي الثامن من آذار ليست جيدة منذ قرابة السنة، يوم كانوا يبحثون في قانون جديد للانتخابات النيابية التي تأجلت». شكلت هذه الحساسية المتراكمة تجاه بكركي خوفاً لدى هذا الفريق «من أن تكون سبباً لتقرب الراعي من مسيحيي الرابع عشر من آذار الذين عرفوا جيداً كيفية استغلالها». ويستند المصدر الى زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لبكركي منذ ثلاثة أيام، ليضعها في خانة «محاولة تظهير التطابق في المواقف بين الراعي والقوات، وتحديداً في موضوع الانتخابات الرئاسية ورفضهما للفراغ. وفي ما خص زيارة الراعي للأراضي الفلسطينية المحتلة، يتولى فريق 14 آذار مهمة الدفاع عنها». لهذه الأسباب، «موقف العونيين وتيار المردة متحفظ، رغم أن سياسيي التيارين في مجالسهم الضيقة يرفضون الزيارة». ثم أتى بيان المتحدث الرسمي باسم البابا فرنسيس فدريكو لومباردي، «ليؤكد أن قرار الراعي فردي». ويوضح المصدر، الذي تربطه علاقة جيدة بالكنيسة، أنه «في اللغة الدبلوماسية، عندما يصدر عن الفاتيكان هكذا تصريح، فهو رسالة غير صريحة للراعي بأن لا يرافق البابا في الجولة».
مواقف نواب التيار الوطني الحر من الزيارة موحدة. فقد وصلت الى بريدهم الإلكتروني رسالة من الرابية يُطلب إليهم ضرورة تأكيد «حق الراعي بزيارة رعاياه، ولا يجوز أن يشكك أحد بنواياه، مع التحفظ على توقيت الزيارة». لذلك يجب حصر النقاشات في هذه النقطة الأخيرة، والتشديد على «أنه لا يحق لأحد أن يملي على البطريركية ما تفعل».
مصادر نيابية في التيار الوطني الحر تؤكد حق البطريرك في القيام بالزيارة، معتبرة أن هذا الحق «مكرس قانوناً. فالراعي مُلزم بزيارة رعيته كل فترة، ومن المهم تذكير اللبنانيين بوجود أبرشية في القدس، وأن الياس الحاج من عينطورة هو مطرانها. ورجال الدين هم استثناء، وإلا فليمنعوا المطارنة الذين يتولون مهمات دينية من التنقل ذهاباً وإياباً».
أما في ما يتعلق بالتوقيت، «فهنا يُطرح السؤال إن كانت ستستغل في السياسة. ويعود للراعي أن يُقدر هذا الأمر». تؤكد المصادر أن «الراعي لا يمكن أن يذهب إلى القدس من دون ضمانات فاتيكانية». تماماً كما أن «صفير دعي الى سوريا ولم يذهب، الراعي يقرر المناسب أكثر له». وللتوضيح، «التشبيه بين سوريا والأراضي المحتلة هو من حيث المبدأ فقط».
من جهة تيار المردة، يعتبر طوني سليمان فرنجية أن «موقفنا هو التريث حتى تنجلي نتيجة الزيارة». فمن يعلم، قد «يدين الراعي من الأراضي المقدسة الاحتلال». يحزم فرنجية، «اننا في التيار ضد الاستعجال في إطلاق المواقف». قبل أن يذكر من يدافع عن الزيارة اليوم أنهم «في الأمس أدانوا الراعي بسبب زيارته سوريا، التي تعتبر شقيقة ولا مجال لمقارنتها مع اسرائيل»، طالباً منهم أن «يكونوا مبدئيين ويتخلوا عن الازدواجية في المواقف ».
هذا كان قبل أن تُعلن عضو المكتب السياسي فيرا يمين من سيدني أن الزيارة «موضوع حساس، ونحن كمردة تاريخ عدائنا لإسرائيل واضح». مشيرة الى أنه «في تاريخ الكنيسة لم يقم مسؤول ديني كبير بزيارة الأراضي المقدسة تحت أي ذريعة أو حجة».
أما الفريق الأقوى في قوى الثامن من آذار، أي حزب الله، فلا يزال يلتزم الصمت. مصدر قريب من الحزب أفصح أن وفداً منه سيزور الراعي قريباً، «مبلغاً إياه رفضه للزيارة التي ستكون لها تأثيرات سلبية على الوضع المحلي، متمنياً عليه الرجوع عن هذه الخطوة». بيد أن أوساط الحزب المتابعة لملف بكركي نفت لـ«الأخبار» أن يكون قد جرى تحديد موعد للزيارة، «ولو أنها واردة في وقت قريب»، مؤكدة أن «التواصل بين الطرفين دائم عبر اللجنة المشتركة». لذلك حزب الله سيلتزم «سياسة الصمت إعلامياً في موضوع زيارة القدس، حاصراً الأمور ضمن قنوات التواصل، فتصل الرسالة بشكل هادئ ومُثمر». والسبب أن «الوقت غير مناسب للمناقشة الإعلامية، ومنعاً لأي مزايدة سياسية».