يناقش مجلس الوزراء، اليوم، رزمة مشاريع مراسيم وقرارات لوزير الاتصالات بطرس حرب، تقضي بتخفيض رسوم بعض خدمات الهاتف الثابت والإنترنت والخلوي، ولم يعرف موقف وزارة المال، على الرغم من أن التخفيضات على رسوم الخلوي وحدها ستخفض إيرادات الخزينة العامّة حوالي 212 مليون دولار سنوياً، ويُخشى أن تكون التخفيضات في سياق خطّة «خبيثة» لخصخصة الاتصالات.
يناقش مجلس الوزراء اليوم رزمة إجراءات مقترحة من قبل وزير الاتصالات بطرس حرب تنطوي على تخفيضات «مغرية» لفاتورة استهلاك الاتصالات الثابتة والخلوية والإنترنت. لا شك أن إقرار هذه الرزمة يمثل خبراً ساراً للمستهلكين الذين يشكون من ارتفاع الأسعار وتحميلها رسوماً ومكوّنات ضريبية وشبه ضريبية ثقيلة. إلا أن الوقائع التي تحيط بهذه الاندفاعة لتخفيض الفاتورة تدفع الى تشبيه ما يقوم به حرب بـ«دس السمّ في العسل».
فالرزمة المقترحة تنطوي على تخفيض كبير لإيرادات الخزينة العامّة، قدّرته الشركتان المشغلتان في مجال الخلوي فقط بنحو 212 مليون دولار (بعد احتساب معدل نمو المستخدمين ونمو استهلاك التخابر والداتا)، ما يطرح تساؤلات كثيرة عن الهدف من وراء ذلك طالما أن مجلس النواب يدرس في الوقت نفسه، بحجّة تمويل سلسلة الرواتب، رزمة إجراءات عكسية، تنطوي على زيادة الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية ورسوم استهلاك بعض السلع ورسوم الطابع على الإيصالات والمعاملات، بما فيها رسم الطابع المالي (1500 ليرة) على كل فاتورة اتصالات وإنترنت.
الخصخصة تطل من جديد
واهم من يظن أن الإجراءات المقترحة هي مجرد خطوة في سياق خطة وزير الاتصالات بطرس حرب، التي أعلن عنها في آذار الماضي. يمكن بوضوح رصد خلية عمل كبيرة تتجاوز الوزير حرب وفريق عمله لتشمل أطرافاً فاعلة في صناعة القرار السياسي، أبرزها الرئيس فؤاد السنيورة، ترفع شعار «تحرير قطاع الاتصالات»، أي بيع شركتي الخلوي وإنشاء شركة «لبنان تليكوم»، التي نص عليها القانون /431/ الذي أقره مجلس النواب عام 2001، لتكون وريثة هيئة أوجيرو ووزارة الاتصالات، ثم بيع 40% منها لمستثمر واحد.
يدعم مشروع الخصخصة فريقا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذان كثّفا حضورهما في لبنان أخيراً. وهو وإن كان لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن المعلومات المتاحة تقول إن هناك فريقاً في لبنان يدفع بالأمور الى مكان تصبح فيه خصخصة الاتصالات أمراً واقعاً. وهو يستبق ذلك بممارسات تؤدي الى تخفيض قيمة القطاع من خلال تخفيض أرباحه (وهي إيرادات للدولة بصفتها المالكة للقطاع) وتعطيل مشاريع تطويره وتكبير حجمه. وتقول مصادر مطّلعة إن كل تخفيض بقيمة 100 مليون دولار من أرباح القطاع الخلوي ينعكس تخفيضاً بقيمة لا تقل عن 5 أضعاف في سعر الرخصة عندما تُعرض للبيع.
نحن إذاً أمام نسف كامل للإرث «البرتقالي» في وزارة الاتصالات، الذي بدأ مع الوزير جبران باسيل، مروراً بشربل نحاس، وصولاً الى نقولا صحناوي الذي اعتمد استراتيجية توسيع قطاع الاتصالات وتكبيره ضمن رؤية تجعل من وزارة الاتصالات المالكة الفعلية للقطاع، وتجعل من خصخصة قطاع الاتصالات أمراً صعباً، ولا سيما في مجال تصعيب المحاصصة.
استند البرتقاليون في ذلك الى قرارات شورى الدولة التي تؤكد أن قانون الاتصالات الرقم 431 ليس نافذاً، وبالتالي ليس هناك غطاء قانوني للخصخصة. ما سهّل عودتهم إلى الأحكام القانونية والتنظيمية التي كان معمولاً بها قبل إقرار القانون 431، ولا سيما المرسومين الاشتراعيين الرقم 126/59 و127/59.
شعار تنفيذ قانون الاتصالات الرقم 431 يقود فوراً الى «خصخصة القطاع» بكل مؤسساته، وهو أمر لم يتحقق في الأعوام الـ الماضية، لأن اللاعبين الأساسيين لم يتفقوا على توزيع «التركة»، ولم يكن إقرار «الهيئة المنظمة للاتصالات» في حكومة الرئيس السنيورة (المطعون بشرعيتها) إلا أبلغ دليل على أن الصراع على «خصخصة الاتصالات»، وهو صراع مفتوح يتخذ أبعاداً عدّة اقتصادية وسياسية وأمنية، منذ ما عرف بالـ«ترويكا»، مروراً بحقبة الرئيس إميل لحود، وصولاً الى الحقبة البرتقالية بعد عودة الرئيس ميشال عون عام .
الإجراءات المقترحة
مطلع الشهر الحالي، وبالتزامن مع الضغط الذي مارسه السنيورة في مجلس النواب لخصخصة الاتصالات في سياق مناقشات سلسلة الرواتب وسبل تمويلها، رفع الوزير حرب مشروع مرسوم لتعديل وتخفيض بعض التعرفات والرسوم العائدة لبعض الخدمات على الشبكة الهاتفية الثابتة، ومشروع مرسوم لتعديل وتخفيض تعرفة خدمات الإنترنت ذات الحزمة العريضة بواسطة تقنية الـ DSL وخدمات خطوط الإنترنت والخطوط التأجيرية المحلية الدولية. كما اقترح حرب موافقة مجلس الوزراء على قرار بتخفيض كلفة دقيقة التخابر الدولي، وهو قرار لا يحتاج الى مرسوم لإنفاذه لأنه يستند إلى عقود الخلوي الموقعة مع الشركتين المشغلتين للقطاع. كما ينوي حرب، بحسب ما يملك من تفويض مرتبط بالعقود المذكورة، خفض كلفة تبادل الرسائل النصية SMS بنسبة 45 بالمئة.
ملاحظات عديدة يمكن أن توضع على مراسيم وقرارات التخفيض. الملاحظة الأولى في الشكل تتعلق بالسرعة القياسية التي أعطى فيها مجلس شورى الدولة رأيه في المرسومين المذكورين. خمسة أيام كانت كافية للرئيس شكري صادر الذي يرأس الغرفة الأولى في المجلس لإبداء الرأي في المراسيم المذكورة! ليخلص إلى اقتراح تصحيح طفيف في العنوانين! لم يلتفت المجلس المذكور الى أن المرسومين سيحملان توقيع وزير المال إلى جانب وزير الاتصالات، وبالتالي يجب أن يقترنا برأي وزارة المال قبل أن يعرضا على مجلس شورى الدولة، وخصوصاً أنهما يرتبان تخفيضات كبيرة على إيرادات الخزينة. لكن، لماذا العتب على مجلس شورى الدولة، طالما أن الوزير علي حسن خليل لم يعترض على القضم الممنهج والمتمادي لصلاحياته، بدءاً من قرار إلغاء إلزامية تسجيل الهوية الإلكترونية للهواتف الخلوية، وصولاً الى هذين المرسومين، والآتي أعظم. يكفي العودة الى محاضر مجلس الوزراء، عندما كان وزراء التيار الوطني الحر يقترحون مراسيم تتعلق بقطاع الاتصالات وتخفيض الأسعار، كيف كان ممثلو الفريق الذي ينتمي إليه حرب يخبطون على الطاولة ويهددون بأنهم لن يسمحوا بإمرار أي قرار يؤثر على إيرادات الخزينة.
الأسباب الموجبة
يعدد الوزير حرب في نص الاقتراح الذي رفعه الى مجلس الوزراء، وحصلت «الأخبار» على نسخة منه، الأسباب والتأثيرات البنيوية للتخفيض، فيشير الى أن «إدخال الكابل البحري IMEWE فعلياً قيد الاستثمار والتشغيل، وتحديث وتطوير الكابل البحري CADMOS والكابل البحري ALETAR، وتمديد كابل بري بالألياف الضوئية عبر تقنية الـ DWDM يربط النقطة البحرية الانتهائية في طرابلس بالنقطتين البحريتين الانتهائيتين في مدينة الجديدة ومدينة بيروت، وما نجم عن ذلك من توفر للسعات الدولية بمعدل مئات أضعاف ما كانت عليه في الأعوام الماضية، وكذلك تأمين مسارات رديفة لهذه السعات تحفظ أمنها وجودتها واستمراريتها، إضافة إلى التدني المطرد للكلفة المترتبة على صيانة واستثمار هذه السعات، مقارنة بتلك التي كانت سائدة عند إصدار التعرفات السابقة المتأثرة بها، جعل من الضروري أن تستكمل الوزارة مسيرة خفض الأسعار بما يتماشى مع قاعدة العرض والطلب من ناحية، ومع قاعدة التصاق سعر المبيع مع كلفة الإنتاج من جهة أخرى، ومع الحاجة الاقتصادية الماسة لتوفير الخدمات الحيوية بأسعار تنافسية ومتناسبة مع الكلفة المتدنية.
ويضيف: «إن المواطنين اللبنانيين سوف يتمكنون، عند بدء تطبيق الأسعار المقترحة، من الاستفادة من سرعات أعلى وسعات أكبر، للاستعمال من خلال اشتراكات أقل كلفة بكثير، حيث تتراوح الزيادة بنسبة السرعة وسقف الاستهلاك إلى السعر من أربعة إلى ستة أضعاف، بالإضافة إلى زيادة في السعات المتاحة من ضعفين إلى خمسة أضعاف. ونص مشروع المرسوم على أن تخفيض رسوم الهاتف الثابت ستصبح على الشكل الآتي: رسم التأسيس مجاني بدل خمسين ألف ليرة لبنانية. وتخفيض رسم الاشتراك الشهري من 12 ألف ليرة إلى 9 آلاف ليرة لبنانية. واستحداث خدمة جديدة للإنترنت الحزمة العريضة، تبدأ بسرعة 2MBps دون سقف ودون حدود للاستهلاك، بحيث يستفيد منها حوالى /330.000/ مشترك إنترنت حالياً.
كما يؤكد حرب أن التعرفة المقترحة للخطوط التأجيرية الرقمية الدولية ستتيح منافسة دول المنطقة واستقطاب تمركز الشركات في لبنان وتوفير جدوى اقتصادية مهمة في ما يتعلق بتصدير إنتاجات الأفراد والشركات في مجالات البرمجيات والخدمات عموماً.
ويتبين من خلال جدول مقارنة لأسعار بعض خدمات الهاتف الثابت وخدمات الإنترنت أن حرب يقترح من خلال مشروع المرسوم أن يكون الحد الأدنى لسرعة الإنترنت 2 ميغا بايت والاستهلاك الشهري 40 جيغا بايت بكلفة تصل الى 24 ألف ليرة لبنانية، في حين كانت قبل التعديل تصل كلفتها الى 75 ألف ليرة لبنانية مع استهلاك شهري 20 جيغا بايت. في حين ستخفض كلفة HDSL بسعة 40 جيغا بايت من 225 ألف ليرة الى 125 ألف ليرة بسعة 80 جيغا بايت، الأمر الذي يشير الى أن نسبة التخفيضات وصلت في بعض الخدمات الى 200 في المئة.
تخفيضات الخلوي