يحلّ البابا ضيفاً على فلسطين في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها الفلسطينيون مسلمين ومسيحيين داخل الأراضي المقدسة، إذ أنه من المقرر أن يصل مدينة المهد في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، في أول زيارة له إلى المنطقة منذ تسلمه رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، في وقت لا يزال الحديث عن زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي سيرافق البابا، مثيرًا للجدل لبنانيا، سيما وأنّ الأراضي الفلسطينية لا زالت ترزح تحت الاحتلال.
لكنّ سياسيين ورجال دين مسيحيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة تحدثوا لـ"النشرة" عن اعتبارها دينية وهامة خصوصاً وأنّ الفلسطينيين يعانون من ويلات الاحتلال، وبهذه الزيارة سيرى الراعي بأمّ عينه كيف يُمنع المصلون من الوصول إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين التي تتفاقم في المخيمات، مشددين على أنها تجسيد أيضاً لزيارة البطريرك المسكوني عام 1964، وتأكيدا للتواصل بين الكنيسة الأم في لبنان، والكنيسة في فلسطين.
زيارة تاريخية
وفي هذا الإطار، قال أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنا عيسى، "إننا نرحب بزيارة قداسة البابا فرنسيس الأول للأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصًا وأنها تأتي في ظل أوضاع مأساوية يعيشها الشعب الفلسطيني نتيجة ممارسات الاحتلال وفي مقدمتها الوضع السياسي الخانق، والاقتصادي المترهل، والأساليب القمعية والانتهاكية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس، وخصوصاً المسجد الأقصى المبارك".
وفي حديث إلى "النشرة"، قال عيسى: "إنّ البابا في هذه الزيارة سيرى بأم عينيه كيف يعيش اللاجئ الفلسطيني في المخيمات خاصة في مخيم الدهيشة وعايدة في بيت لحم، وسيشاهد العدد المتزايد لهجرة للمسيحيين من الأراضي المحتلة بفعل سياسات الاحتلال وتردي الاوضاع الاقتصادية".
وشدّد حنا على أهمية هذه الزيارة، خاصة أنه سيأتي من عمان إلى مدينة بيت لحم، للتأكيد على أن الأراضي الفلسطينية محتلة، وليطلع على الكنائس والمساجد، والوضع المعيشي للمسيحيين.
وفي ما يتعلق بزيارة البطريرك الراعي، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، اعتبر عيسى أنها لا تأتي في إطار التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، وهي تاريخية، سيما وأنه رجُل معروف بمواقفه السياسية اللبنانية، ويجب أن نأخذ هذه الزيارة من جانب ديني على حد قوله.
ليست تطبيعاً مع "إسرائيل"
في السياق ذاته، اعتبر أمين سر البطريركية المارونية في القدس وأراضي السلطة الفلسطينية صبحي مخوّل، أنّ زيارة الراعي على وجه الخصوص، يفترض أن تكون كل خمس سنوات مرة، وفقاً للكنيسة والرعوية، وواجب عليه أن يطلع على أوضاع المسيحيين ومشاكلهم وعلى اوضاع الكنائس والرعايا في الأراضي المقدسة.
ورفض مخوّل في حديثه مع "النشرة" اعتبار زيارة البطريرك الراعي تطبيعاً مع "إسرائيل"، قائلاً: "إنها تؤكد التواصل بين الكنيسة الأم في لبنان والكنيسة في فلسطين، ومن الطبيعي جداً أن يأتي ليتفقد الأوضاع والاشكاليات التي نتعرض لها".
وأضاف: "لديه مطران و13 كاهنًا و8 آلاف شخص لم يرهم من قبل، هم وكل الموارنة"، متسائلاً: "لماذا لا يذهب الموارنة في الأراضي المحتلة عام 48 إلى لبنان من أجل إحداث تواصل؟ إسرائيل لا تمنعهم، لكن هناك أطراف أخرى تمنعهم".
وأكد أمين سر البطريركية المارونية، أن الراعي سيلتقي نحو 2500 لبناني فروا من جنوب لبنان إبان الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، وتطالب القوى المسيحية بإعادتهم إلى لبنان بوصفهم لبنانيين، في حين تثير قضيتهم حساسية عالية لدى فئات لبنانية.
وأضاف: "هؤلاء تقريباً 2500، و 20 منهم كان لهم علاقة مع الجيش الإسرائيلي لكنهم مظلومون، لأنهم اضطروا بشكل أو بآخر أن يتعاملوا مع الجيش الإسرائيلي لصعوبة أوضاعهم، هم يعيشون أزمة إنسانية واجتماعية خانقة، وضائعون حقيقةً".
زيارة دينية مهمة
في المقابل، قال إبراهيم الشوملي، رئيس اللجنة الليتورجية التحضيرية لزيارة البابا، "إنّ الزيارة مهمة سيما وأن هناك مؤمنين موارنة في هذه الأرض، ومن الجيد زيارتهم حتى لو كانت القدس تحت الاحتلال، فهم لا يعترفون به أصلاً"، مؤكداً أن البطريرك الماروني لن يلتقي باللبنانيين الذين فروا إبان الانسحاب، على عكس ما ذكره مخّول.
وفي حديثه مع "النشرة"، اعتبر الشوملي وهو راعي كنيسة اللاتين في بيت جالا أيضاً، أن زيارة البطريرك الراعي، دينية بالدرجة الأولى وليست سياسية أو تطبيعية، وتجسيد لزيارة البطريرك المسكوني عام 1964، للصلاة في الأراضي المقدسة والاطلاع على أحوال الناس، دون الاعتراف بـ"إسرائيل".
وأضاف: "هو سيزور كل ماروني ومسيحي موجود في هذه الأرض، وهي زيارة تعد تاريخية حيث يعيش الناس هنا مرارة الاحتلال وممارساته القمعية".
وعلمت "النشرة" أنّ الراعي سيقيم خلال فترة زيارته للأراضي المحتلة، في مقر القاصد الرسولي في القدس، كمكان أولي مرشح، إضافة لاحتمالات أخرى قيد الدرس.