اكثر ما كان يتمناه ويحلم به الانتحاريون في العالم وفي مقدمتهم تنظيم القاعدة هو ايجاد وخلق مناخ اكثر حيوية وسهولة يتيح لهم بث وتنفيذ افكارهم الدينية وعملياتهم الامنية بطرق اسهل، وقد تم فتح هذا الباب عريضا لهم من المدخل السوري واتخذ اشكالا اكثر خطورة وتعقيدا عما كان في السابق لا سيما في افغانستان، فتفاعلات الازمة السورية لناحية حجم الصراع الدولي للسيطرة عليها لاعتبارات جيوسياسية وتاريخية عديدة، شكلت ارضا خصبة دفعت القوى كافة للتدخل على هذه الساحة بكافة اشكالها سواء دول وانظمة، او تيارات واحزاب منفردة رأت ان اجنداتها ومشاريعها لن تتحقق الا فيها.
فتنامي الحركات الاصولية المتشددة بفروعها المتعددة سواء المعتبر منها متطرفة اسلاميا ام معتدلة، بدأ منذ اندلاع شرارة الازمة السورية ولو بنسب متفاوتة تبعا لمسار الازمة التي شهدت منعطفات وتحولات كثيرة، ارخت بظلالها ميدانيا على المعارك وحولت الصراع من ثورة وحرية الى مكافحة الارهاب والتيارات التكفيرية. اضف الى ذلك ما تسجله هذ الحركات والجماعات من نجاحات وسيطرة على مناطق واسعة على وقع دعم تتلقاه من دول كبرى. وما اشيع حول ايقاف المساعدات العسكرية لها ليس دقيقا، الا انه تبدل لجهة تحديد من هي القوى التي سيستمر الدعم لها، للتأثير والحسم في المعارك المرتقبة مستقبليا ضد النظام السوري.
محاولات الادارة الاميركية بالتعاون مع حلفائها الاوروبيين والعرب لكبح جموح وتصاعد الحركات المتطرفة بعد تشويهها للاهداف الحقيقية التي ابتغاها الشعب السوري، دفعهم لتشكيل جبهة "معتدلة" تضمن لهم امران اساسيان: اولا القضاء على المتشددين الذين لا يلتزمون باوامرهم المباشرة، وفق معايير خاصة تقسم الجماعات بين متشدد واقل ثشددا، وذلك للاظهار للراي العام العالمي ان المعارضة واحدة، معتدلة، علمانية، ولا تشوبها شائبة، وثانيا: حصر الصراع بعد الانتهاء من المتشددين مع النظام السوري فقط، وقد بدأ جديا هذا المخطط وان كان متاخرا في عدة اتصالات واجتماعات سعت لبلورة جبهة واحدة ضد النظام، بعد ان فشلت محاولات سابقة لم تودي بنتائج مرجوة، كما اظهرت على الارض، لا بل زادت تنافسا واقتتالا بين الجماعات نفسها.
الى ذلك، اطلقت جماعات اسلامية تدور في الفلك نفسه منذ ايام ما سُمي "بميثاق شرف ثوري" يهدف لخلق معارضة موحدة كان ابرز ما تضمنه بيانها "عدم السماح بتقسيم سوريا والتوحد على محاربة النظام وعدم المس بسيادة الاراضي السورية والتوحد على محاربة النظام"، ميثاق الشرف هذا رآه المراقبون انه لا يعد ابدا من ضمن محاولات توحيد المعارضة، وهو ايضا احدى نتائج اجتماع بروكسل في بلجيكا حول ملف الارهابيين الأجانب في سوريا الذي لم يخرج بنتائج جدية بسبب الخلاف الاوروبي الاميركي حول تشخيص حجم واعداد المقاتلين المنتقلين من اوروبا الى سوريا. فالولايات المتحدة ترى حتى الان ان النتائج التي ستحققها بمعركة اسقاط النظام بالمدى القريب ان حصل سيكون استراتيجيا ومكسبا لها لناحية نفوذها في المنطقة مقابل المعركة ضد الارهاب، وهو أولوية متقدمة عن سائر الاهتمامات الاخرى، وقد سربت معلومات من اجتماع بروكسل ان لقاءات جانبية اميركية عقدت مع ممثلي الدول العربية المشاركة في المؤتمر، خصصت ببنودها لتوحيد المعارضة لا سيما الاسلامية منها.
تُستبعد التسوية السياسية في سوريا في المستقبل القريب، بانتظار ملامح وتداعيات نتائج الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني الذي سينجح رغم الضغوطات والتهديدات من كلا الفريقين، ومن المرجح ان ينعكس هذا الاتفاق على دول الاقليم، الا انه لا يبدو أنه سيطال سوريا اقلّه في المدى المنظور حتى انضاج وتلاقي المحاور التي تتحكم بمفاصلها.