في أولويات النائب ميشال عون تأتي رئاسة الجمهورية أولا، ولكن يمكن تقليب هذه الأولويات مع اقتراب موعد دعوة الهيئة الناخبة الى الانتخابات النيابية. سيخصص تكتل التغيير والاصلاح المرحلة المقبلة للضغط باتجاه انتاج قانون انتخابات ديمقراطي، والا... الى الستين دُرّ وبخريطة تحالفات مختلفة هذه المرة

لا يتعلق الأمر بالأعوام الثمانين ولا القضية الأخيرة أو نظرية «أنا أو لا أحد»، كما لا يتعلّق أيضا بمضغ قوى 14 آذار مرارا وتكرارا لهذه النقاط كلما دقّ الكوز بجرّة النائب ميشال عون. في الرابية، حان وقت قطاف كل الأرباح التي لم تكن قد نضجت بعد خلال اتفاق الدوحة مهما كثر الكلام.

وعنوان المعركة بات محسوما: إما يُثبّت اتفاق الطائف ويُنفذّ بحذافيره وإما يُعاد تكوين السلطة من جديد. وفي الحالتين، يشدد «الجنرال» في دردشاته مع المقربين منه على أهمية ارساء معادلة رئاسية جديدة في بعبدا. وهي تقوم بشكل رئيسي على ضمان عدم وصول رئيس للجمهورية غير قادر على الفوز برئاسة بلدية منطقته، كالرئيس الياس الهراوي مثلا أو الرئيس السابق ميشال سليمان. اذ لا يمكن حتما التعويل على رئيس مماثل لاستنهاض الطائفة المسيحية وخلق توازن جديّ مع حزب الله وحركة أمل والنائب وليد جنبلاط ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري؛ خصوصا أن لا صلاحيات تحمي الرئيس الضعيف وتعوّمه كما هي الحال مع رئيس الحكومة الحالي تمام سلام. من هنا، ينطلق عون لتفنيد تداعيات القبول برئيس «وسطي» يُلوّن بزته وفقا للظروف ويستعطي وزيرا من هنا ونائبا من هناك. يوضح أكثر: الفرق بيننا وبين الأحزاب المسيحية الأخرى، أننا نطمح أن نكون شركاء في صناعة القرار فيما هم يكتفون بدور «الديكور» ويبتسمون للصورة.

قد يكون رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أثبت، بترشحه الى رئاسة الجمهورية لاحراق عون، نظرية «الرئيس الديكور»؛ الا أن عون عازم أكثر من أي وقت مضى على احراق هذه المعادلة ومحبيها في آن. لذلك كان الحديث عن المثلث القويّ (السيد حسن نصرالله، سعد الحريري، ميشال عون) الذي، وفقا لمصادر الرابية، تُرجم بشكل خاطىء ولم يكن يقصد فيه سوى تحقيق التوازن بين الطوائف الثلاث من دون اغفال دور جنبلاط المهم طبعا: «بل تتحدث الرابية عن ضرورة لعب جنبلاط دورا جوهريا في هذه المعادلة. وهو، ان كان قد أسقط ذكر الرئيس نبيه بري، فلإعتقاده أن قرار حزب الله وحركة أمل واحد». يفتح ما سبق شهية الرابية على موضوع رئيسي آخر يصعب تعطيله في حال تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية قبل تاريخ 20 آب، موعد دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية. وتقول المصادر إن «عون سيخوض معركة جدّية أخرى لانتاج قانون انتخابي قبل هذا التاريخ، وسيحضر الى مجلس النواب لهذه الغاية فقط.

المرحلة السابقة لم تكن مرحلة انتخاب رئيس بل مرحلة تمديد انتهت ليل الجمعة الماضي

الا أن ذلك لا يلغي فرضية موافقته على خوض الاستحقاق وفقا لقانون الستين اذا تعذّر اقرار قانون آخر». ورغم الحديث عن اتفاق ضمني بين حزب الله وبري وجنبلاط والحريري على التمديد مجدداً لمجلس النواب، الا أن الرابية واثقة من قدرتها الضغط باتجاه اجراء الانتخابات في موعدها. وتشير أوساطها الى مناقشة عون والحريري احتمال البقاء على الستين وما يمكن أن ينتجه تغيير في التحالفات بما فيها فرضية تحالفهما سويا. فرئيس تكتل التغير والاصلاح لا يمانع في تقليب الأولويات الرئاسية والنيابية طالما توصل الأولى الى الثانية والعكس. ويصعب اتهامه بالمساومة على حقوق المسيحيين طالما أصابع الاتهام لا زالت موجهة نحو معراب: ليس الجنرال من أسقط الأرثوذكسي وارتضى استمرار المستقبل والمختارة في «قصقصة الورق واختراع نواب ليملأوا مقاعد الموارنة». وربما، يفترض عون، «ان رست مفاوضاتنا مع المستقبل على تحالف جدّي، نستطيع انتاج طبقة نيابية تحاكي مزاج الرأي العام فعليا».

يُتقن الجنرال فن اتخاذ القرارات الكبيرة المفاجئة وتحويلها الى نقاط قوة كانفتاحه الأخير على الحريري رغبة «ببناء سيبة جديدة تنتج كيانا جديدا للجمهورية». لذلك لا داعي لاستغراب الجمهور تحالف هاتين القوتين مستقبلا. فمن وجهة النظر العونية، تستحق مشاركة المسيحيين في صناعة القرار الوطني محاولة التفاهم مع تيار المستقبل. ولكن من المهم للرابية قبلها كشف كل الأوراق على طاولة المفاوضات وتحديد ماذا تريد الأطراف الأخرى من المسيحيين. هنا قائمة باللاءات: «لا للتصرف مجددا كأن المسيحيين في الجيبة وترشيح أمثال النائب هنري الحلو الى الرئاسة وافتراض جنبلاط أنه قادر أن يكون رئيسَ رئيسِ الجمهورية. لا لقضم البعض صلاحيات الطائفة ويمكن البدء هنا في اعادة الأطراف الأخرى ما سرقته من المسيحي لتستقيم الحياة السياسية. لا لاستثناء الأحزاب المسيحية من القرارات المفصلية ولا لرئيس جمهورية لا يجسد نبض غالبية الرأي العام بغض النظر ان كره الآخرين ذلك أم أحبوه، وهو ما يقود الى اسم واحد: عون نفسه».