يزداد نشاط الدبلوماسيين الأجانب والمسلمين والعرب في بيروت في هذه الأيام، في ظل حالة الهدوء والاستقرار النسبي التي ينعم بها لبنان منذ تشكيل «حكومة المصلحة الوطنية» برئاسة الرئيس تمام سلام. فرغم عدم حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد قبل 25 أيار ودخول لبنان في حالة الفراغ الرئاسي، فإن الأوضاع الأمنية بقيت مستقرة في ظل ازدياد الحراك الشيعي حول ملف سلسلة الرتب والرواتب والقضايا الاجتماعية والتربوية والاقتصادية.
ومع ان معظم الجهات الدولية والعربية والإسلامية، إضافة الى الدبلوماسيين العاملين في بيروت، أبدوا الاهتمام الكبير بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وشددوا على عدم حصول الفراغ الرئاسي، فإن مصادر مطلعة على الأجواء الدبلوماسية تؤكد أن هؤلاء الدبلوماسيين لم يقوموا بنشاط حقيقي ومؤثر للضغط على الأطراف اللبنانية للتوصل الى تسوية أو اتفاق بشأن الانتخابات الرئاسية، وإن كانوا قد عبَّروا عن تمنياتهم بحصول الانتخابات في موعدها، وإن اهتمامات الدبلوماسيين تتركز هذه الأيام على ملفين أساسيين:
الملف الأول يتعلق بالأوضاع الأمنية والعسكرية وكيفية الحفاظ على الاستقرار الأمني، والمف الثاني يتعلق بتداعيات الأزمة السورية، وخصوصاً قضيتي اللاجئين السوريين في لبنان وكل ما يتعلق بالمجموعات الإسلامية الجهادية الناشطة في سوريا، التي قد تمتد نشاطاتها الى لبنان ودول عربية وإسلامية وغربية، ما يشكل خطراً كبيراً على مصالح هذه الدول.
فما هي أجواء الدبلوماسيين العاملين في لبنان؟ وكيف ينظرون الى مستقبل الأوضاع اللبنانية بعد تأخر الانتخابات الرئاسية عن موعدها؟
أجواء الدبلوماسيين
تقول مصادر سياسية مطلعة على أجواء وتحركات الدبلوماسيين الأجانب والمسلمين والعرب في بيروت «ان هؤلاء الدبلوماسيين يركزون في اللقاءات التي يجرونها مع الشخصيات اللبنانية هذه الأيام، على ملفين أساسيين: الأول يتعلق بالملف الأمني والعسكري، سواء على صعيد استكمال تطبيق الخطط الأمنية في طرابلس والبقاع وبيروت، أو ما يجري من تطورات في المخيمات الفلسطينية وعلى المناطق الحدودية الجنوبية، أو لجهة تأمين المساعدات العسكرية والأمنية للجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية لتكون قادرة على ضبط الأوضاع وحماية المناطق اللبنانية وملاحقة «المجموعات الإسلامية المتشددة» الموجودة في بعض المناطق».
ويضيف هؤلاء «ان بعض السفراء العرب في لبنان وخصوصاً السفير السعودي علي عواض عسيري يبدون اهتماماً خاصاً بملف المعتقلين المنتمين إلى دولهم من أجل تأمين تسلمهم أو متابعة ترتيب أوضاعهم».
أما الملف الثاني الأكثر حساسية الذي يتابعه الدبلوماسيون، فهو ما يتعلق بتداعيات الأزمة السورية في لبنان والمنطقة، ولا سيما على صعيد ملف اللاجئين السوريين والمخاوف الناتجة من تزايد اعدادهم وانعكاس ذلك على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهناك تشجيع كبير لإقامة مخيمات لهؤلاء اللاجئين على الحدود اللبنانية - السورية وتعزيز التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية في هذا المجال (وهذا ما جرى من خلال قرارات مجلس الوزراء الأخيرة).
ويهتم الدبلوماسيون بشكل مركز على دور المجموعات المعارضة المسلحة في سوريا، وخصوصاً الإسلامية، وكيفية انتشارها وإمكانية عودة بعض المقاتلين الى البلاد التي أتوا منها، والمخاوف الناتجة من دور هؤلاء مستقبلاً.
وأما على صعيد الانتخابات الرئاسية، فرغم كل الحراك الدبلوماسي في لبنان، فإن المواقف الحقيقية تقتصر على النصائح بالاتفاق على مرشح توافقي، وحصلت بعض الجهود الدبلوماسية للتمديد للرئيس السابق العماد ميشال سليمان، لكن بعد انتهاء فترة رئاسته وعدم حصول الانتخابات، فإن الدبلوماسيين يركزون على استمرار عمل الحكومة والحفاظ على الاستقرار الأمني والاسراع بملء الفراغ الرئاسي دون وجود حلول أو وجهات نظر محددة وحاسمة في هذا المجال.
مستقبل لبنان
لكن كيف ينظر الدبلوماسيون الأجانب والعرب والمسلمون الى مستقبل لبنان بعد الفراغ الرئاسي وفي ضوء التطورات في المنطقة؟
يجمع العديد من الدبلوماسيين العاملين في بيروت على «ان الوضع الأمني في لبنان سيبقى مستقراً في هذه الفترة ولا مخاوف من حصول انفجارات كبرى في ظل وجود حكومة المصلحة الوطنية، ونظراً الى أن الأطراف الخارجية والداخلية لا ترغب بتفجير الوضع اللبناني حالياً، لأن التركيز حالياً هو على القضايا الدوليةوالإقليمية ولأن الملف اللبناني ليس في صدارة الاهتمامات حالياً في ظل تصاعد الأوضاع في أوكرانيا والأزمة الروسية - الدولية، ومع استمرار المفاوضات الإيرانية - الدولية حول الملف النووي، وامكانية بدء المفاوضات الإيرانية - السعودية ونظراً إلى ما يجري في دول المنطقة من تطورات مهمة، وخصوصاً نتائج الانتخابات العراقية وحصول الانتخابات الرئاسية في مصر وسوريا وما يجري من تطورات خطيرة في ليبيا».
وتنقل بعض الشخصيات اللبنانية عن بعض الدبلوماسيين الأجانب والعرب «ان الوضع اللبناني لا يحظى حالياً باهتمام كبير وأن على اللبنانيين ترتيب أوضاعهم بأنفسهم والاتفاق على إدارة شؤون بلادهم دون انتظار حصول تدخل دولي - عربي كبير، لأن الأوضاع في المنطقة تتطلب عدة أشهر لحسم صورة التطورات وتبيان أفق الوضع السياسي والأمني في أكثر من بلد. ولذلك فإن الانتخابات الرئاسية قد تتأجل لفترة طويلة، والبعض يشير إلى احتمال حصول الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية، ما يعني ان الحكومة الحالية باقية وهي ستدير الأوضاع بانتظار التوافق على رئيس جديد».
وفي الختام يحرص الدبلوماسيون الأجانب والمسلمون والعرب على متابعة اللقاءات السياسية والنشاطات الفكرية والدينية والثقافية وهم يسهمون برعاية وحضور العديد من هذه الأنشطة، وبعضهم يشارك في لقاءات وداعية وتعارفية ويشجعون على حضور السياح العرب والمسلمين الى لبنان دعماً للأوضاع الاقتصادية بانتظار الفرج الآتي عاجلاً أو آجلاً.